وقال سفيان الثوري، عن عاصم، عن زِرّ، قال: "الْغَيْب القرآن". وقال عطاء بن أبي رباح: "من آمن بالله فقد آمن بالغيب". وقال إسماعيل بن أبي خالد: { يُؤْمِنُونَ بِالْغَيْبِ} قال: "بغيب الإسلام". وقال زيد بن أسلم: { الَّذِينَ يُؤْمِنُونَ بِالْغَيْبِ} قال: "بالقدر". فكل هذه متقاربة في معنى واحد؛ لأن جميع هذه المذكورات من الغيب الذي يجب الإيمان به. وقال سعيد بن منصور: حدثنا أبو معاوية، عن الأعمش، عن عمارة بن عمير، عن عبد الرحمن بن يزيد قال: كنا عند عبد الله بن مسعود جلوسًا، فذكرنا أصحَاب النبي صلى الله عليه وسلم وما سبقوا به، قال: فقال عبد الله: "إن أمر محمد صلى الله عليه وسلم كان بينًا لمن رآه، والذي لا إله غيره ما آمن أحد قط إيمانًا أفضل من إيمان بغيب، ثم قرأ: { الم. ذَلِكَ الْكِتَابُ لا رَيْبَ فِيهِ هُدًى لِلْمُتَّقِينَ. الذين يؤمنون بالغيب و يقيمون الصلاة. الَّذِينَ يُؤْمِنُونَ بِالْغَيْبِ} إلى قوله: { الْمُفْلِحُونَ} [البقرة:1-5]"، وهكذا رواه ابن أبي حاتم، وابن مَرْدُويه، والحاكم في مستدركه، من طرق، عن الأعمش، به، وقال الحاكم: صحيح على شرط الشيخين، ولم يخرجاه. المصدر: خاص بموقع طريق الإسلام 0 1, 897
الخطبة الأولى: أمَّا بَعدُ: فِي ليلةٍ منَ الليالِي العُظْمَى فِي الإسلامِ، حينَ كانَ النبيُّ -صلَّى اللهُ عليهِ وسلَّمَ- بمكةَ، يُلاقِي صنوفَ الهوانِ والابتلاءِ منْ أعداءِ الإسلامِ، وقدْ كانَ النبيُّ -صلَّى اللهُ عليهِ وسلَّمَ- نائمًا ببيتِ أمِّ هانئٍ، أيقظَ الرسولُ -عليهِ أفضلُ الصلاةِ والسلامِ- كعادتِهِ أهلَ بيتِهِ، ثُمَّ صلَّى بهمُ الغداةَ. وبعدَ أنْ انفتلَ منْ صلاتِهِ، أخبرَهُمْ بِمَا حصلَ لَهُ منْ حدثٍ جللٍ عظيمٍ، وهوَ إسراءُ اللهِ بِهِ منْ مكةَ إلَى المسجدِ الأقصَى، ثُمَّ عروجُهُ إلَى السماءِ السابعةِ، ولقاؤُهُ بِرَبِّهِ، وبعدَ أنْ أخبرَ أهلَ بيتِهِ بذلكَ، عزمَ النبيُّ -صلَّى اللهُ عليهِ وسلَّمَ- علَى الخروجِ منْ منزلِهِ، فلحقتْهُ أُمُّ هانئٍ تُحذِّرُهُ مِنْ أنْ يُخْبِرَ كفارَ قريشٍ بِمَا لَا تُطِيقُهُ عقولُهُمْ لِئَلَّا يكَذِّبُوهُ. فَلَمْ يَأْبَهْ النبيُّ -صلَّى اللهُ عليهِ وسلَّمَ- بقولِهَا، وخرجَ، حتَّى حضرَ مجامعَ قريشٍ، فأخبرَهُمْ الخبرَ، فطارُوا بهِ مكذبِّينَ، بلْ ومستهزئينَ بِهِ، ثمَّ جاءُوا إلَى الصِّدِّيقِ -رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ-، وكأنَّهُمْ قدْ وَجَدُوا مسلكًا يَنْفُذُونَ بِهِ إلَى قَلْبِ الصِّدِّيقِ؛ ليَصُدُّوهُ عنِ الحقِّ؛ فأخْبَرُوهُ الخبرَ، فمَا أنْ زادَ علَى قَوْلِهِمْ إِلَّا أنْ قالَ: صَدَقَ، ثُمَّ أَعْقَبَ ذَلِكَ فَقَالَ لَهُمْ: " إِنِّي لَأُصَدِّقُهُ بِأَبْعَدَ مِنْ ذَلِكَ؟ بِخَبَرِ السَّمَاءِ غدوةً وروحةً ".