إياكم والجلوس في الطرقات

فَقَالَ لَهُ: اجْلِسْ، فَإِنَّمَا أَنت مِنْ نُخَالَةِ أَصْحَابِ مُحَمَّدٍ ﷺ. فَقَالَ: وهَلْ كَانَتْ لَهُمْ نُخَالَةٌ؟! إِنَّمَا كَانَتِ النُّخَالَةُ بَعْدَهُمْ، وَفي غَيرِهِمْ. رواه مسلم. الشيخ: بسم الله الرحمن الرحيم، الحمد لله، وصلَّى الله وسلَّم على رسول الله، وعلى آله وأصحابه ومَن اهتدى بهداه. الدرر السنية. أما بعد: فهذه الأحاديث كالتي قبلها في الحثِّ على الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، والرفق وعدم الشدة حتى تزول المنكرات، ويحل محلها المعروف. يقول النبي ﷺ لبعض الصحابة لما رآهم يجلسون في الطُّرقات، قال: إياكم والجلوس في الطرقات ، فقالوا: يا رسول الله، ما لنا بُدٌّ من مجالسنا، يعني: نحتاج إليها، نتحدث فيها، فقال: أما إذا أبيتم فأعطوا الطريق حقَّه يعني: إذا كان لا بدّ من المجلس فأعطوا الطريق حقَّه، ترك المجلس في الطريق أولى وأبعد عن الشر، لكن إذا كان ولا بدّ فالواجب على مَن جلس في الطريق أن يُعطي الطريقَ حقَّه، قالوا: وما حقّ الطريق يا رسول الله؟ قال: غَضُّ البصر، وكفُّ الأذى، وردُّ السلام، والأمر بالمعروف، والنهي عن المنكر ، هذا من حقِّ الطريق: يغض البصر عن عورات الناس، لا ينظر إلى عورات الناس ويتتبع عوراتهم بالنظر.

  1. الدرر السنية

الدرر السنية

يهدف الإسلام إلى الرقي بالمجتمع المسلم إلى معالي الأمور، وسمو الأخلاق، وعلو الآداب، وينأى بأفراده عن كل خلق سيء أو عملٍ مشين، ويريد أن يكون المجتمع مجتمع محبة وألفة، تربط بين عناصره الأخوة والمودة، ألا ترى إلى تلك المناقشة الهادفة بين قائد الأمة وأفرادها حول ظاهرة اجتماعية مهمة، لو بقيت على وضعها لأفسدت المجتمع، فدلهم -صلوات الله وسلامه عليه- إلى الوضع السليم تجاهها. الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على نبينا محمد عليه أفضل الصلاة وأتم التسليم. فقد ثبت عن أبي سعيد الخدري -رضي الله عنه- أن النبي -صلى الله عليه وسلم- قال: ((إياكم والجلوس في الطرقات)) فقالوا: يا رسول الله، ما لنا من مجالسنا بد نتحدث فيها، فقال: ((فإذا أبيتم إلا المجلس فأعطوا الطريق حقه)) قالوا: وما حق الطريق يا رسول الله؟ قال: (( غض البصر ، وكف الأذى، ورد السلام، والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر)) أخرجه البخاري في صحيحه، كتاب المظالم، باب أفنية الدور والجلوس فيها (5/112 برقم 2465) وفي كتاب الاستئذان (11/8 برقم (6229) وأخرجه مسلم في صحيحه، كتاب اللباس والزينة، باب النهي عن الجلوس في الطرقات (3/1675 برقم (2121). وقفة مع الراوي: هو أبو سعيد الخدري، أسمه: سعد بن مالك بن سنان الخزرجي الأنصاري الخدري، نسبة إلى خدرة، حي من الأنصار، استشهد أبوه يوم أحد، وشهد أبو سعيد الخندق وبيعة الرضوان، روى عن النبي -صلى الله عليه وسلم- ألفاً ومائة وسبعين حديثاً، وكان أحد الفقهاء المجتهدين، مات -رضي الله عنه- سنة أربع وسبعين.

وهكذا حثَّ الإسلامُ على منع الأذى واحتمالِه، وجعل ذلك حقًّا من حقوق الطَّريق، فعليك به، وإلاَّ فلْيَسَعْك بيتُك؛ فإنَّ ذلك أَولى وأسلم.