إسلام ويب - تفسير الطبري - تفسير سورة الفتح - القول في تأويل قوله تعالى " إنا فتحنا لك فتحا مبينا"- الجزء رقم22

حدثنا أحمد بن المقدام قال: ثنا المعتمر قال: سمعت أبي يحدث عن قتادة ، عن أنس بن مالك قال: " لما رجعنا من غزوة الحديبية ، وقد حيل بيننا وبين نسكنا ، قال: فنحن بين الحزن والكآبة ، قال: فأنزل الله - عز وجل -: ( إنا فتحنا لك فتحا مبينا ليغفر لك الله ما تقدم من ذنبك وما تأخر ويتم نعمته عليك ويهديك صراطا مستقيما) ، أو كما شاء الله ، فقال نبي الله - صلى الله عليه وسلم -: لقد أنزلت علي آية أحب إلي من الدنيا جميعا ".

فصل: سورة الفتح:|نداء الإيمان

وقد تأول ذلك بعضهم بمعنى: ليغفر لك ما تقدم من ذنبك قبل الرسالة ، وما تأخر إلى الوقت الذي قال: ( إنا فتحنا لك فتحا مبينا ليغفر لك الله ما تقدم من ذنبك وما تأخر). وأما الفتح الذي وعد الله - جل ثناؤه - نبيه - صلى الله عليه وسلم - هذه العدة على شكره إياه عليه ، فإنه فيما ذكر الهدنة التي جرت بين رسول الله - صلى الله عليه وسلم - وبين مشركي قريش بالحديبية. وذكر أن هذه السورة أنزلت على رسول الله - صلى الله عليه وسلم - منصرفه عن الحديبية بعد الهدنة التي جرت بينه وبين قومه. وبنحو الذي قلنا في معنى قوله ( إنا فتحنا لك فتحا مبينا) قال أهل التأويل. ذكر من قال ذلك: حدثنا محمد بن عبد الأعلى قال: ثنا محمد بن ثور ، عن معمر ، عن قتادة قوله ( إنا فتحنا لك فتحا مبينا) قال: قضينا لك قضاء مبينا. [ ص: 199] حدثنا بشر قال: ثنا يزيد قال: ثنا سعيد ، عن قتادة قوله: ( إنا فتحنا لك فتحا مبينا) والفتح: القضاء. ذكر الرواية عمن قال: هذه السورة نزلت على رسول الله - صلى الله عليه وسلم - في الوقت الذي ذكرت. حدثنا حميد بن مسعدة قال: ثنا بشر بن المفضل قال: ثنا داود ، عن عامر ( إنا فتحنا لك فتحا مبينا) قال: الحديبية. حدثني محمد بن عمرو قال: ثنا أبو عاصم قال: ثنا عيسى ، وحدثني الحارث قال: ثنا الحسن قال: ثنا ورقاء جميعا ، عن ابن أبي نجيح ، عن مجاهد في قول الله ( إنا فتحنا لك فتحا مبينا) قال: نحره بالحديبية وحلقه.

وقال الإمام أحمد: حدثنا عبد الرحمن, حدثنا سفيان عن زياد بن علاقة قال: سمعت المغيرة بن شعبة يقول: كان النبي صلى الله عليه وسلم يصلي حتى ترم قدماه فقيل له أليس قد غفر الله لك ما تقدم من ذنبك وما تأخر ؟ فقال صلى الله عليه وسلم "أفلا أكون عبداً شكوراً ؟" أخرجاه وبقية الجماعة إلا أبا داود من حديث زياد به. وقال الإمام أحمد: حدثنا هارون بن معروف, حدثنا ابن وهب, حدثني أبو صخر عن ابن قسيط عن ابن عروة بن الزبير عن عائشة رضي الله عنها قالت: كان رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا صلى قام حتى تتفطر رجلاه, فقالت له عائشة رضي الله عنها: يا رسول الله صلى الله عليه وسلم أتصنع هذا وقد غفر الله لك ما تقدم لك من ذنبك وما تأخر ؟ فقال صلى الله عليه وسلم: "يا عائشة أفلا أكون عبداً شكوراً". أخرجه مسلم في الصحيح من رواية عبد الله بن وهب به. وقال ابن أبي حاتم حدثنا علي بن الحسين حدثنا عبد الله بن عوف الخراز وكان ثقة بمكة حدثنا محمد بن بشر حدثنا مسعر عن قتادة عن أنس قال قام رسول الله صلى الله عليه وسلم حتى تورمت قدماه ـ أو قال ساقاه ـ فقيل له أليس قد غفر الله لك ما تقدم من ذنبك وما تأخر ؟ قال: "أفلا أكون عبداً شكوراً" غريب من هذا الوجه فقوله: "إنا فتحنا لك فتحاً مبيناً" أي بيناً وظاهراً والمراد به صلح الحديبية, فإنه حصل بسببه خير جزيل, وآمن الناس واجتمع بعضهم ببعض, وتكلم المؤمن مع الكافر وانتشر العلم النافع والإيمان.