عباد الله: والاستغفار مشروع في كل وقت، وهناك أوقات وأحوال مخصوصة يكون للاستغفار فيها مزيد فضل، فيستحب الاستغفار بعد الفراغ من أداء العبادات؛ ليكون كفارة لما يقع فيها من خلل أو تقصير، كما شرع بعد الفراغ من الصلوات الخمس، فقد كان النبي إذا سلم من الصلاة المفروضة يستغفر الله ثلاثا؛ لأن العبد عرضة لأن يقع منه نقص في صلاته بسبب غفلة أو سهو. كما شرع الاستغفار في ختام صلاة الليل، قال تعالى عن المتقين: ( كَانُوا قَلِيلاً مِنْ اللَّيْلِ مَا يَهْجَعُونَ* وَبِالأَسْحَارِ هُمْ يَسْتَغْفِرُونَ) [الذاريات:17-18]. خطبة الجمعة عن الاستغفار. وقال تعالى: والمستغفرين بالأسحار. وشرع الاستغفار بعد الإفاضة من عرفة والفراغ من الوقوف بها قال تعالى: ( ثُمَّ أَفِيضُوا مِنْ حَيْثُ أَفَاضَ النَّاسُ وَاسْتَغْفِرُوا اللَّهَ إِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ رَحِيمٌ) [البقرة:199]. وشرع الاستغفار في ختم المجالس حيث أمر النبي عندما يقوم الإنسان من المجلس أن يقول: سبحانك اللهم وبحمدك أستغفرك وأتوب إليك ، فإن كان مجلس خير كان كالطابع عليه، وإن كان غير ذلك كان كفارة له. وشرع الاستغفار في ختام العمر، وفي حالة الكبر، فقد قال الله تعالى لنبيه عند اقتراب أجله: بسم الله الرحمن الرحيم: ( إِذَا جَاءَ نَصْرُ اللَّهِ وَالْفَتْحُ* وَرَأَيْتَ النَّاسَ يَدْخُلُونَ فِي دِينِ اللَّهِ أَفْوَاجاً* فَسَبِّحْ بِحَمْدِ رَبِّكَ وَاسْتَغْفِرْهُ إِنَّهُ كَانَ تَوَّاباً) [سورة النصر].
يقول القرطبي -رحمه الله-: (قال علماؤنا الاستغفار المطلوب هو الذي يحل عقد الإصرار, ويثبت معناه في الجنان, وليس التلفظ بمجرد اللسان), فمن استغفر بلسانه, وقلبه مصر على معصيته فاستغفاره يحتاج إلى الاستغفار آخر. فاتقوا الله عباد الله وتذكروا الموت والقبر والآخرة, وحاسبوا أنفسكم قبل أن تحاسبوا, وأقبلوا على ربكم وأطيعوه واستغفروه وتوبوا إليه, ولا تستعظموا الذنب فعفوا الله أعظم ﴿قُلْ يَا عِبَادِيَ الَّذِينَ أَسْرَفُوا عَلَى أَنْفُسِهِمْ لا تَقْنَطُوا مِنْ رَحْمَةِ اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ يَغْفِرُ الذُّنُوبَ جَمِيعًا إِنَّهُ هُوَ الْغَفُورُ الرَّحِيمُ﴾ [الزمر:53]. أقول قولي هذا وأستغفر الله العظيم لي ولكم ولسائر المسلمين من كل ذنبٍ فاستغفروه إنه هو الغفور الرحيم.
الخُطبة الثانية الحمد لله على إحسانه والشكر له على توفيقه وامتنانه، وأشهد أن لا اله إلا الله وحده لا شريك له تعظيمًا لشأنه، وأشهد أن سيدنا محمدًا الداعي إلى رضوانه وعلى آله وصحبه وجميع إخوانه. وبعد، إلهي: ما زلتُ أُعرف بالإساءة دائمًا ويكون منك العفو والغفران لم تنتقصني إن أسأت وزدتني حتى كأن إساءتي إحسان منك التفضل والتكرم والرضا أنت الإله المنعم المنّان أخي المسلم يا عبد الله، كم نصيبك من الاستغفار في اليوم والليلة إذا كان حبيب الله ورسوله المغفور له ما تقدَّم من ذنبه وما تأخر، يستغفر الله في اليوم أكثر من مائة مرة. خطبه مكتوبه عن الاستغفار. وها هو عبدالله بن عمر رضي الله عنه يقول: كنا نعد للنبي صلى الله عليه وسلم في المجلس الواحد مائة مرة يقول: «رب اغفر لي وتُب علي، إنك أنت التواب الرحيم». عبد الله كُن من: ﴿ الَّذِينَ يَقُولُونَ رَبَّنَا إِنَّنَا آمَنَّا فَاغْفِرْ لَنَا ذُنُوبَنَا وَقِنَا عَذَابَ النَّارِ * الصَّابِرِينَ وَالصَّادِقِينَ وَالْقَانِتِينَ وَالْمُنْفِقِينَ وَالْمُسْتَغْفِرِينَ بِالْأَسْحَارِ ﴾ [آل عمران: 16، 17]. قال قتادة رحمه الله: «أيها الناس، إن هذا القران يدلكم على دوائكم ودائكم، فأما داؤكم، فالذنوب وأما دواؤكم فالاستغفار».
الخطبة الأولى أما بعد: عباد الله: اتقوا الله تعالى، واعلموا أن الله قد أمرنا بالتوبة إليه، والاستغفار من ذنوبنا، في آيات كثيرة من كتابه الكريم، وسمى ووصف نفسه بالغفار وغافر الذنب وذي المغفرة، وأثنى على المستغفرين ووعدهم بجزيل الثواب، وكل ذلك يدلنا على أهمية الاستغفار، وفضيلته، وحاجتنا إليه.
وهو ليس مختصًّا بالعاصين والمذنبين، فقد قال الله تعالى آمراً نبيه صلى الله عليه وسلم: ﴿ وَاسْتَغْفِرْ لِذَنْبِكَ وَلِلْمُؤْمِنِينَ وَالْمُؤْمِنَاتِ ﴾ [محمد: 19]. خطبة قصيرة عن الاستغفار. وقال الله تعالى: ﴿ وَظَنَّ دَاوُودُ أَنَّمَا فَتَنَّاهُ فَاسْتَغْفَرَ رَبَّهُ وَخَرَّ رَاكِعًا وَأَنَابَ ﴾ [ص: 24]. وقال يونس: ﴿ لَا إِلَهَ إِلَّا أَنْتَ سُبْحَانَكَ إِنِّي كُنْتُ مِنَ الظَّالِمِينَ ﴾ [الأنبياء: 87]. وروى البخاري عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رضي الله عنه، قَالَ: سَمِعْتُ رَسُولَ اللهِ صلى الله عليه وسلم يَقُولُ: «وَاللهِ إِنِّي لَأَسْتَغْفِرُ اللهَ وَأَتُوبُ إِلَيْهِ فِي اليَوْمِ أَكْثَرَ مِنْ سَبْعِينَ مَرَّةً» [5]. ولما سأل أبو بكر الصديق رضي الله عنه النبيَّ صلى الله عليه وسلم دعاء يدعو به ربه سبحانه وتعالى أوصاه بالاستغفار، فقد روى البخاري ومسلم عَنْ أَبِي بَكْرٍ الصِّدِّيقِ رضي الله عنه، أَنَّهُ قَالَ لِرَسُولِ اللهِ صلى الله عليه وسلم: عَلِّمْنِي دُعَاءً أَدْعُو بِهِ فِي صَلَاتِي، قَالَ: «قُلْ: اللهُمَّ إِنِّي ظَلَمْتُ نَفْسِي ظُلْمًا كَثِيرًا، وَلَا يَغْفِرُ الذُّنُوبَ إِلَّا أَنْتَ، فَاغْفِرْ لِي مَغْفِرَةً مِنْ عِنْدِكَ، وَارْحَمْنِي إِنَّكَ أَنْتَ الغَفُورُ الرَّحِيمُ» [6].