والذين يقولون ربنا هب لنا

وهل قُرةُ العينِ في الزوجةِ والولدِ، تكونُ في الدُّنيا أم الآخرةِ؟، سُئلَ الْحَسَنُ البَصْرِيُّ -رَحِمَهُ اللهُ-: يَا أَبَا سَعِيدٍ، قَوْلُ اللَّهِ -تَعَالَى-: ( هَبْ لَنَا مِنْ أَزْوَاجِنَا وَذُرِّيَّاتِنَا قُرَّةَ أَعْيُنٍ)، فِي الدُّنْيَا وَالْآخِرَةِ؟، قَالَ: لَا، بَلْ فِي الدُّنْيَا، قِيلَ: وَمَا ذَاكَ؟، قَالَ: "الْمُؤْمِنُ يَرَى زَوْجَتَهُ وَوَلَدَهُ يُطِيعُونَ اللَّهَ". يا الله!

تفسير قوله تعالى ( ربنا هب لنا من أزواجنا وذرياتنا قرة أعين واجعلنا للمتقين إماما)

فعين المؤمن تقر بامرأة صالحة، تسره إذا نظر، وتطيعه إذا أمر، وتحفظه إذا غاب، وتعينه على طاعة الله، وتحذره من المعصية. قال تعالى: (رَبَّنَا آتِنَا فِي الدُّنْيَا حَسَنَةً وَفِي الآخِرَةِ حَسَنَةً وَقِنَا عَذَابَ النَّارِ) البقرة: 201 قال الإمام الشوكاني في تفسيره لهذه الآية: قيل إن حسنة الدنيا هي الزوجة الصالحة، وحسنة الآخرة هي الحور العين. تفسير قوله تعالى ( ربنا هب لنا من أزواجنا وذرياتنا قرة أعين واجعلنا للمتقين إماما). وعن ابن عباس رضي الله عنهما- أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال لعمر: (ألا أخبرك بخير ما يكنز المرء ؟ المرأة الصالحة، إذا نظر إليها سرته، وإذا أمرها أطاعته، وإذا غاب عنها حفظته) (رواه أبو داود). والمرأة إن وعت معنى الطاعة، وأدتها بحقّها، فإنها تملك قلب زوجها، وتكسب ثقته، ودوام حبّه، فيقابلها بأضعاف ما أعطته حتى يصير الأمر كأنه هو الذي يطيعها، ويلبّي رغباتها. قليل من النساء من يفهم ذلك، وأقل منهن من تعمل به، ومن جملة ما يُوصى بهِ لقرةِ عينِ الرَّجلِ في زوجتِه وولدِه، هو الرِّفقُ في التَّربيةِ والتَّعاملِ، والصَّفحُ والمغفرةُ والتَّغافلُ.

قرة أعين - ملتقى الخطباء

وفي الآخرة مرافقتهم في جنات النعيم، قال تعالى وَالَّذِينَ آمَنُوا وَاتَّبَعَتْهُمْ ذُرِّيَّتُهُمْ بِإِيمَانٍ أَلْحَقْنَا بِهِمْ ذُرِّيَّتَهُمْ وَمَا أَلَتْنَاهُمْ مِنْ عَمَلِهِمْ مِنْ شَيْءٍ. "بل ويعود هذا النفع إلى عموم المسلمين؛ لأن بصلاح من ذُكر يكون سبباً لصلاح كثير ممن يتعلق بهم، وينتفع بهم". "وهذا هو الشعور الفطري الإيماني العميق، شعور الرغبة في مضاعفة السالكين في الدرب إلى اللَّه عز وجل ، وفي أولهم الذرية والأزواج، فهم أقرب الناس تبعة، وهم أول أمانة يُسأل عنها الرجال". سبحان من توجهت الوجوه إلى قبلته! سبحان من اعترفت الخليقة بربوبيته! سبحانك من أعظم شأنك! اعترفوا بربوبيته وعلموا أنه المتكلف بخلق الموجودات وإنشائها، وأنه القائم على هدايتها وصلاح أحوالها وتدبير أمورها. وتوجهوا إليه بذل وافتقار متوسلين إليه باسمه الوهاب لعلهم به سبحانه أنه يهب ويعطي بلا مقابل، بلا عوض، بلا غرض، وبدون استحقاق ولا مكافأة. وهو القائل سبحانه: أمن يجيب المضطر إذا دعاه ويكشف السوء ويجعلكم خلفاء الأرض، أ إله مع الله، قليلا ما تذكرون. قرة أعين - ملتقى الخطباء. في قولهم ﴿ربنا هب لنا من أزواجنا وذريتنا﴾، نجد البعد الجماعي والاجتماعي هو البارز، فهم لا يرغبون في تحقيق السعادة والاستقرار لجيل واحد، بل للأجيال القادمة.

عبد الرحمان سورسي الحمدُ للهِ الجوادِ الكريمِ، البَرِّ الرحيمِ، يتفضلُ على من يَشاءُ من عبادِه، واللهُ ذو الفضلِ العظيمِ، وأشهدُ أن لا إلهَ إلا اللهُ وحدَه لا شَريكَ له، وأشهدُ أن سيدَنا ونبيَنا محمداً عبدُ اللهِ ورسولُه، آتاه الحكمةَ وجوامعَ الكلمِ، وعلمَّه ما لم يكن يعلمُ، وكانَ فَضلُ اللهِ عليه عظيماً، فاللهم صلِّ وسلمْ وباركْ على سيدِنا ونبيِنا محمدٍ وعلى آلِه وصحبِه أجمعينَ، وعلى من تبعَهم بإحسانٍ إلى يومِ الدينِ. أما بعد: فيا أيها الإخوة والأخوات: ما زلنا نعيش في رحاب القرآن في صحبة عباد الرحمن. والذين يقولون ربنا هب لنا من ازواجنا وذرياتنا. واليوم نتناول الصفة الأخيرة من صفاتهم، وهي الواردة في قوله تعالى: (وَالَّذِينَ يَقُولُونَ رَبَّنَا هَبْ لَنَا مِنْ أَزْوَاجِنَا وَذُرِّيَّاتِنَا قُرَّةَ أَعْيُنٍ)الفرقان. فعباد الرحمن يدعون الله، ويسألونه أن يهب لهم من أزواجهم وذرياتهم، ما تقر به أعينهم، وتسر به قلوبهم وتنشرح به صدورهم، وأن يجعلهم أئمة وقدوة للمتقين، وقرة العين معناها: سكونها. والعين بطبيعتها دائماً تتحرك وتلتفت يميناً وشمالاً، تبحث عن الأفضل، لكن حينما تحصل العين على مطلوبها من زوجة صالحة أو من ولد صالح، تقر هذه العين، أي لا تلتفت إلى غيرها من النساء ، ولا إلى أولاد الناس، فلا تكثر هذه العين الحركة، فهم يريدون أن يكون لهم أهل صالحون، وأولاد صالحون، وتقر عيونهم بهؤلاء الصالحين.