والمجموعة التي صدرت عن (نون للنشر والتوزيع) في القاهرة تقع في 142 صفحة متوسطة القطع وهي العمل القصصي السادس للمؤلف الذي وصلت روايته (تغريدة البجعة) إلى القائمة القصيرة في مسابقة الجائزة العالمية للرواية العربية (البوكر) في دورتها الأولى 2008. تحزم تحزم تحزم تحزم. ويكاد الموت يشمل قصص المجموعة بداية من القصة الأولى (ثلاثة أشكال لأبي) وبطلها صبي في العاشرة يعاني قسوة أبيه الأمي الذي يطلب منه أن يكتب خطابا لخاله في الكويت ليرد دينا وعد بإرساله "بعد أن يقبض أول راتب" ولكن الخال لا يرد الدين بل يعود بعد أربعة أشهر بسبب موت الكفيل ولا يطالبه الأب بشيء بل يسعى لتدبير قيمة تذكرة سفر إلى العراق ربما يكون حظه فيها أفضل. وفي قصة (الهابطون من السماء) يتحول موت إبراهيم (ثلاث سنوات) إلى فجيعة لأهله الذين يظنون راوي القصة وهو طفل في الثامنة تسبب في موته عن غير قصد حين سقط من أعلى. ويصبح الموت شبحا يطارد الصبي إلى أن ينتقل أهله إلى مسكن بعيد يطمئن فيه إلى "أنه لن تباغتني وتغيظني الأسئلة عن القطط والعفاريت. " وتحضر الحياة بعنفوانها في (لا أحد قادرا على قهرها) عبر تتبع بطلتها "إلهام" وهي فنانة تشكيلية تعتز بأعمالها ورغم حاجتها إلى المال فإنها ترفض أن ترسم لوحات حسب الطلب إذ لا تحتمل العمل "بدماغ بائع الروبابيكيا".
ينتقل الفيلم إلى البطلة التي تُجسّد آلام الوباء، حيثُ تقضي وقتاً طويلاً بالنظر من النافذة، لترى العالم والجيران الذين ينظرون بدورهم إلى مدينة محفوفة بجدران أعلى. على مستوى نفسيّ دقيق، يعود القلق إلى أنجيلا جرّاء تعرُّضها إلى حادثة اعتداء في الماضي، فاقمه الحَجْر، الأمر الذي يعيقُ إقدامَها على الخروج. البهجة تحزم حقائبها.. قصص قصيرة للمصري مكاوي سعيد عن الموت والثورة – مؤسسة الأبرار الإسلامية. إنّها إشاراتٌ تُذكّرُ بالساق المكسورة لبطل فيلم "النافذة الخلفية" ل ألفرد هيتشكوك ، الذي عبّدَ طريق القلق والتوتر في السينما، ليخطو عليه المخرجون من بَعدِه. يظن المشاهد في البداية أن الفيلم عن الأنشطة المملة؛ لما فيه من مشاهد طويلة عن نشاطات العزلة. لكنّ هذا التأثير يزيد من مزاج القلق، تشفعُه استراتيجية تصوير تبدو مثل قطعات متتالية سريعة. ولا ننسى الزاوية العمودية من الأعلى إلى الأسفل، التي ساهمت في التحضير لذروة الفيلم وتعميق حالة الاضطراب لدى أنجيلا، فنرى البطلة تكتشف تسجيلاً صوتياً على أحد أجهزة KIMI، التي تعمل عليها، يثبت تعرض امرأة للاغتصاب والقتل. تُقرر أنجيلا إبلاغ الشركة بما سمعت وتبدأ معركتها مع البيروقراطية والسياسة التي تُكثفها شخصية المدير العام ومديرة قسم الدعم وعلاقتهما بالعصابات.
تكرس المجموعة القصصية (البهجة تحزم حقائبها) لقدرة الفن القصصي على اكتساب روح متجددة تصل لأجيال قادمة عبر رصد هامس لمواقف وحالات إنسانية بعيدا عن السائد في الكتابة بمصر منذ الاحتجاجات الشعبية التي أنهت حكم الرئيس الأسبق حسني مبارك في مطلع 2011. وفي هذه المجموعة ينجو الكاتب المصري مكاوي سعيد من "فخ" الكتابة عن "25 يناير" ويتجاوز هذا الإغراء مراهنا على أن ما يبقى هو النص الذي يتحدى اختبار الزمن ولا يكون مجرد صدى لزلزال كبير بحجم ما يجري في البلاد منذ ثلاث سنوات. فعقب اسقاط مبارك يوم 11 فبراير شباط 2011 كتبت العشرات من دواوين الشعر والروايات والمجموعات القصصية والكتب التي توثق جوانب من الاحتجاجات ومنها كتاب صدر في مطلع 2014 بعنوان (كراسة التحرير.. شيله تحزم تحزم خويي تحزم. حكايات وأمكنة) رصد فيه سعيد على مهل تفاصيل إنسانية صغيرة وعميقة عن مهمشين أسهموا في الاحتجاجات بنصيب كبير وإن أهملتهم الفضائيات. وفي مجموعة (البهجة تحزم حقائبها) لا يقترب المؤلف مما جرى باستثناء مشهد النهاية في قصة (لا أحد قادرا على قهرها) إضافة إلى قصة (صابرين) وبطلتها فتاة فقيرة في الرابعة عشرة كانت في ميدان التحرير منذ "جمعة الغضب" 28 يناير كانون الثاني والتي كانت ذروة الاحتجاجات ثم اختفت صابرين في الاحتفالات بتنحي مبارك.
يزداد التشويق عندما تحزم أنجيلا أمرها للخروج، ليتحول التكوين السينمائي إلى الهذيان المتسارع والتخفي والانسلال. تضعفُ حبكةُ القصّة قليلاً مع سيطرة المطاردة على المَشَاهِد، لكنّ المخرج ينجو من السقوط في الكليشيهات، حيث يُبرز الموقف النقدي من جنون العالم، وامتلاك الشركات العملاقة اليد الخفية المتحكّمة بالبيانات العملاقة، وتحويلها لاحتكار خاص، بمراقبة زبائنها والمشتركين، حتى الموظفين الذي يعملون على المراقبة. بالفيديو:ضرب و سب.. مستشار بلطجي يخرب ممتلكات الدولة بدورة المجلس الجماعي بسطات – جريدة سوس بلوس الإخبارية. وصولاً إلى لقاء أنجيلا مع مديرة قسم الدعم، ليتّضح للمُشَاهِد أن الخصوصية هي وهمٌ مُتبخّر. يُشار إلى أنّ سودربرغ هو أول مخرج سينمائي يصنع فيلماً عن الركود العظيم (The Girlfriend Experience) وفيلماً آخر عن تأثير وسائل التواصل الاجتماعي على الرياضة والتجارة، وله تجارب جريئة منها تصوير فيلم Unsane بالكامل على جهاز آيفون. وما زال يحافظ على محور الأسئلة في أفلامه، التي تدور حول الرأسمالية والأخلاقية والتشكيك في الغزوات الرقمية للخصوصية. الأرشيف التحديثات الحية الصلة بين التكنولوجيا البيولوجيّة والجريمة مطروحة في KIMI ومرحلة الوباء، وما تلاها من إغلاقات، أكثر ما جسّدت هذه الصّلة. كذلك حرب احتكار البيانات مشتعلة في الكوكب اليوم، وغيرها من الصّراعات اللامرئية النّاعمة.