معنى ولا ينفع ذا الجد منك الجد

الحمد لله رب العالمين، وأفضل الصلاة وأتم التسليم على سيدنا محمد، وعلى آله وصحبه أجمعين، أما بعد: أولاً: روى الإمام مسلم عَنْ أَبِي سَعِيدٍ الْخُدْرِيِّ رَضِيَ اللهُ عَنهُ قَالَ: كَانَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعلى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ إِذَا رَفَعَ رَأْسَهُ مِنْ الرُّكُوعِ قَالَ: «رَبَّنَا لَكَ الْحَمْدُ مِلْءُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَمِلْءُ مَا شِئْتَ مِنْ شَيْءٍ بَعْدُ، أَهْلَ الثَّنَاءِ وَالمَجْدِ، أَحَقُّ مَا قَالَ الْعَبْدُ، وَكُلُّنَا لَكَ عَبْدٌ، اللَّهُمَّ لَا مَانِعَ لِمَا أَعْطَيْتَ، وَلَا مُعْطِيَ لِمَا مَنَعْتَ، وَلَا يَنْفَعُ ذَا الْجَدِّ مِنْكَ الْجَدُّ». معنى ولا ينفع ذا الجد منك الجد. ثانياً: الجَدُّ: بفتحِ الجيمِ، وهذا المشهورُ، هوَ الحظُّ والغِنى والعَظَمَةُ والسُّلطانُ. وبعضُهُم قال: الجِدُّ، بكسرِ الجيمِ، ومعناهُ الاجتهادُ. ويقولُ الإمامُ النَّوويُّ رحمهُ اللهُ تعالى: أَيْ لَا يَنْفَعُ ذَا الْحَظِّ فِي الدُّنْيَا بِالمَالِ وَالْوَلَدِ وَالْعَظَمَةِ وَالسُّلْطَانِ مِنْكَ حَظُّهُ أَيْ لَا يُنْجِيهِ حَظُّهُ مِنْكَ، وَإِنَّمَا يَنْفَعُهُ وَيُنْجِيهِ الْعَمَلُ الصَّالِحُ، كَقَوْلِهِ تَعَالَى: ﴿المَال وَالْبَنُونَ زِينَة الْحَيَاة الدُّنْيَا وَالْبَاقِيَات الصَّالِحَات خَيْر عِنْد رَبِّكَ﴾واللهُ تَعَالَى أَعْلَم.

  1. ما معنى (ولا ينفـع ذا الجـد منـك الجـد.)

ما معنى (ولا ينفـع ذا الجـد منـك الجـد.)

( ولا ينفع ذا الجَد منك الجد): الجد قال العلماء: هو الحظ والغناء. ذا الجد أي: صاحب الجد. منك: متعلق بينفع ، ولهذا كلمة ينفع إما أن تضمّن معنى يغني ، أو معنى يمنع صاحب الغنى وصاحب الحظ لا ينفعه حظه من الله ، ولا غناه من الله: (( وإذا أراد الله بقوم سوءا فلا مرد له)) ، (( أينما تكونوا يدرككم الموت ولو كنتم في بروج مشيدة)): فصاحب الحظ والغنى مهما كان عنده ما ينفعه. معنى ولا ينفع ذا الجد منك الجديد. ( ولا ينفع ذا الجد منك الجد): ما قال: جده، قال: الجد، يعني حتى لو كان هذا الجد أعظم شيء فإنه لا يمكن أن ينفعه من الله عز وجل، وهذا إذا آمن الإنسان به ويجب عليه أن يؤمن به يستلزم أن يكون الإنسان معتمدًا على ربه في حمايته، لا على جنده ولا على ماله ولا على نصيبه وحظه، وإنما هو على ربه وحده لا شريك له. وبهذا التقرير الذي لم نفِ بما تدل عليه هذه الكلمات العظيمة، يتبين أهمية هذا الذكر بعد الصلاة: ( لا إله إلا الله وحده لا شريك له، له الملك وله الحمد وهو على كل شيء قدير، اللهم لا مانع لما أعطيت، ولا معطي لما منعت، ولا ينفع ذا الجد منك الجد). قوله: اللهم: أصلها يا الله، لكن حذفت ياء النداء تيمنا بذكر اسم الله قبل، وعوّض عنه الميم: اللهم، للدلالة عليها.

الكلام على الذكر الذى يقال بعد الرفع من الركوع، وهو حديث أبى سعيد قال: كان رسول الله ﷺ إذا رفع رأسه من الركوع قال: ربنا لك الحمد ملء السماوات والأرض، وملء ما شئت من شىء بعد، أهل الثناء والمجد، أحق ما قال العبد، وكلنا لك عبد، اللهم لا مانع لما أعطيت، ولا معطى لما منعت، ولا ينفع ذا الجد منك الجد. ما معنى (ولا ينفـع ذا الجـد منـك الجـد.). مع أن بعضهم فسره بعبارات أخرى: كالعظمة والسلطان، كما فى قوله، تبارك وتعالى «وأنه تَعَالَى جَدُّ رَبَّنَا» [الجن3]، وذلك أن كلمة (الجد) تأتى لمعان فى كلام العرب، منها: أن ذلك يقال لأب الأب، ولأب الأم، وإن علا، ولهذا بعضُ أهل العلم ممن فسروا «الجد» هنا بهذا المعنى، فقالوا: لا ينفعه آباؤه عند الله -تبارك وتعالى- أو لا يخلصونه من عذاب الله، لكن هذا المعنى فيه بعد، فبعض أهل العلم فسره بالسلطان والعظمة. والمقصود من لا ينفع ذا الجد أى: لا ينفع ذا الحظ، وهذا الحظ قد يكون بالمال، وقد يكون بالسلطان، وبالعظمة فى الدنيا، وما يؤتاه الإنسان مما يظن أنه يكون به راجحاً، أو أن ذلك يخلصه من عذاب الله تبارك وتعالى. والواقع أنه لا ينجى بعد رحمة الله إلا الإيمان والعمل الصَّالح، فهذه الأمور التى يحصلها الناس من الحظوظ الدنيوية -أياً كان نوعها- ليس عليها المعول فى الآخرة، ولا يحصل بها التفاضل عند الله -تبارك وتعالى- ولا النجاة من عذابه، وإنما هى التقوى والإيمان والعمل الصالح.