وإما أن يكون ذلك يوم القيامة يحببهم إلى خلقه". قلت: فهذا القول محتمل. وأقوى منه أن يكون المراد بذلك يوم القيامة حينما تظهر لهم محبة الله وكرامته, وحينما ينزع الله الغل من صدورهم (إِخْوَانًا عَلَى سُرُرٍ مُتَقَابِلِينَ). وقد أشار إلى هذا المعنى الماتريدي وابن عطية وابن عاشور. قال الماتريدي "والوجه الثاني: (سَيَجْعَلُ لَهُمُ الرَّحْمَنُ وُدًّا) في الجنة، أي: ينزع عنهم ما في قلوبهم من غل وغش، كقوله: (وَنَزَعْنَا مَا فِي صُدُورِهِمْ مِنْ غِلٍّ إِخْوَانًا عَلَى سُرُرٍ مُتَقَابِلِينَ)". وقال ابن عطية: "ويحتمل أن تكون الآية متصلة بما قبلها في المعنى، أي: أن الله تعالى لما أخبر عن إيتان كل من في السماوات والأرض في حالة العبودية والانفراد أنس المؤمنين بأنه سيجعل لهم في ذلك اليوم وداً وهو ما يظهر عليهم من كرامته". ونقل الرازي عن أبي مسلم الأصفهاني قوله: "إن هذا القول أولى لوجوه: أحدها: كيف يصح القول الأول مع علمنا بأن المسلم المتقي يبغضه الكفار وقد يبغضه كثير من المسلمين. حلوة حلوة......(إن الذين آمنوا وعملوا الصالحات سيجعل لهم الرحمن ودّا) - منتديات سماء يافع. وثانيها: أن مثل هذه المحبة قد تحصل للكفار والفساق أكثر فكيف يمكن جعله إنعاما في حق المؤمنين"اهـ قلت: وأما الحديث المشهور: (إذا أحب الله العبد نادى جبريل إن الله يحب فلانا فأحبه فيحبه جبريل... ) الحديث.
عباد الله: إنَّ الإيمان بالله والقيام بطاعته جلّ وعلا، والبعد عن معاصيه؛ سببٌ لكل خيرٍ وفلاحٍ ورفعةٍ في الدّنيا والآخرة، وهو سبب لمحبّةٍ وقبولٍ ورضاً يطرحه الله -جلّ وعلا- لعبده المؤمن القائم بطاعة الله، المبتعد عن معصية الله قبولٍ ورضاً يطرحه الله له في قلوب العباد.
حدثني محمد بن سعد ، قال: ثني أبي ، قال: ثني عمي ، قال: ثني أبي ، عن أبيه ، عن ابن عباس ، قوله ( وتنذر به قوما لدا) يقول: لتنذر به قوما ظلمة. حدثنا بشر ، قال: ثنا يزيد ، قال: ثنا سعيد ، عن قتادة ( وتنذر به قوما لدا): أي جدالا بالباطل ، ذوي لدة وخصومة. [ ص: 264] حدثنا القاسم ، قال: ثنا الحسين ، قال: ثنا محمد بن فضيل ، عن ليث ، عن مجاهد ، في قوله: ( وتنذر به قوما لدا) قال: فجارا. حدثنا الحسن ، قال: أخبرنا عبد الرزاق ، قال: أخبرنا معمر ، عن قتادة ، في قوله ( قوما لدا) قال: جدالا بالباطل. حدثني يونس ، قال: أخبرنا ابن وهب ، قال: قال ابن زيد ، في قوله ( وتنذر به قوما لدا) قال: الألد: الظلوم ، وقرأ قول الله ( وهو ألد الخصام). حدثنا أبو صالح الضراري. قال: ثنا العلاء بن عبد الجبار ، قال: ثنا مهدي بن ميمون ، عن الحسن في قول الله عز وجل ( وتنذر به قوما لدا) قال: صما عن الحق. تفسير: (إن الذين آمنوا وعملوا الصالحات سيجعل لهم الرحمن ودا). حدثني ابن سنان ، قال: ثنا أبو عاصم ، عن هارون ، عن الحسن ، مثله. وقد بينا معنى الألد فيما مضى بشواهده ، فأغنى ذلك عن إعادته في هذا الموضع.
[ ص: 263] حدثنا الحسن بن يحيى ، قال: أخبرنا عبد الرزاق ، عن الثوري ، عن مسلم ، عن مجاهد ، عن ابن عباس ، في قوله ( سيجعل لهم الرحمن ودا) قال: محبة. وذكر أن هذه الآية نزلت في عبد الرحمن بن عوف. حدثني محمد بن عبد الله بن سعيد الواسطي ، قال: أخبرنا يعقوب بن محمد ، قال: ثنا عبد العزيز بن عمران ، عن عبد الله بن عثمان بن أبي سليمان بن جبير بن مطعم ، عن أبيه ، عن أمه أم إبراهيم ابنة أبي عبيدة بن عبد الرحمن بن عوف ، عن أبيها ، عن عبد الرحمن بن عوف ، أنه لما هاجر إلى المدينة ، وجد في نفسه على فراق أصحابه بمكة ، منهم شيبة بن ربيعة ، وعتبة بن ربيعة ، وأمية بن خلف ، فأنزل الله تعالى: ( إن الذي آمنوا وعملوا الصالحات سيجعل لهم الرحمن ودا). وقوله ( فإنما يسرناه بلسانك لتبشر به المتقين) يقول تعالى ذكره: فإنما يسرنا يا محمد هذا القرآن بلسانك ، تقرؤه لتبشر به المتقين الذين اتقوا عقاب الله ، بأداء فرائضه ، واجتناب معاصيه بالجنة ( وتنذر به قوما لدا) يقول: ولتنذر بهذا القرآن عذاب الله قومك من قريش ، فإنهم أهل لدد وجدل بالباطل ، لا يقبلون الحق. واللد: شدة الخصومة. وبنحو الذي قلنا في ذلك قال أهل التأويل. حدثني محمد بن عمرو ، قال: ثنا أبو عاصم ، قال: ثنا عيسى; وحدثني الحارث ، قال: ثنا الحسين ، قال: ثنا ورقاء ، جميعا عن ابن أبي نجيح ، عن مجاهد ، قوله ( لدا) قال: لا يستقيمون.
وصلوا وسلموا -رعاكم الله- على إمام المتقين، وقدوة عباد الله أجمعين؛ محمد بن عبد الله كما أمركم الله بذلك، فقال: ( إِنَّ اللَّهَ وَمَلَائِكَتَهُ يُصَلُّونَ عَلَى النَّبِيِّ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا صَلُّوا عَلَيْهِ وَسَلِّمُوا تَسْلِيماً) [الأحزاب: ٥٦]، وقال صلى الله عليه وسلم: " مَنْ صَلَّى عَلَيَّ صَلاةً صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ بِهَا عَشْرًا ". اللهمّ صلِّ على محمّد وعلى آل محمد كما صليت على إبراهيم وعلى آل إبراهيم إنّك حميد مجيد، وبارك على محمد وعلى آل محمد كما باركت على إبراهيم وعلى آل إبراهيم إنك حميد مجيد. وارضَ اللهمّ عن الخلفاء الراشدين الأئمة المهديين؛ أبي بكر الصديق، وعمر الفاروق، وعثمان ذي النورين، وأبي الحسنين علي، وارض اللهم عن الصحابة أجمعين. اللهمّ واعمُر قلوبنا بحبِّهم يا ذا الجلال والإكرام. اللّهم أصلح لنا شأننا كلّه، واغفر لنا ذنوبنا كلّها ما تقدم منها وما تأخّر. اللهم أعزّ الإسلام والمسلمين، وأذل الشرك والمشركين، ودمِّر أعداء الدين، واحم حوزة الدين يا رب العالمين. اللهمّ وفّق ولي أمرنا لرضاك، واجعل عمله في طاعتك، وارزقه البطانة الصالحة الناصحة التي تدله على الخير وتعينه عليه.