ولا تكن كصاحب الحوت

﴿ تفسير البغوي ﴾ ( فاصبر لحكم ربك) اصبر على أذاهم لقضاء ربك ( ولا تكن) في الضجر والعجلة ( كصاحب الحوت) وهو يونس بن متى ( إذ نادى) ربه [ في] بطن الحوت ( وهو مكظوم) مملوء غما. ﴿ تفسير الوسيط ﴾ وما دام الأمر كما ذكرنا لك ( فاصبر) أيها الرسول الكريم - لحكم ربك ، ولقضائه فيك وفيهم ، وسر فى طريقك التى كلفناك به ، وهو تبليغ رسالتنا إلى الناس.. وستكون العاقبة لك ولأتباعك. واصبر لحكم ربك ولا تكن كصاحب الحوت. ( وَلاَ تَكُن) - أيها الرسول الكريم - ( كَصَاحِبِ الحوت) وهو يونس - عليه السلام -. أى: لا يوجد منك ما وجد منه ، من الضجر ، والغضب على قومه الذين لم يؤمنوا ، ففارقهم دون أن يأهذ له ربه بمفارقتهم.. والظرف فى قوله: ( إِذْ نادى وَهُوَ مَكْظُومٌ) منصوب بمضاف محذوف ، وجملة ( وَهُوَ مَكْظُومٌ) فى محل نصب على الحال من فاعل " نادى ". والمكظوم - بزنة مفعول -: المملوء غضبا وغيظا وكربا ، مأخوذ من كظم فلان السقاء إذا ملأه ، وكظم الغيظ إذا حبسه وهو ممتلئ به. أى: لا يكن حالك كحال صاحب الحوت ، وقت ندائه لربه - عز وجل - وهو مملوء غيظا وكربا ، لما حدث له مع قومه ، ولما أصابه من بلاء وهو فى بطن الحوت. وهذا النداء قد أشار إليه - سبحانه - فى آيات منها قوله - تعالى -:( وَذَا النون إِذ ذَّهَبَ مُغَاضِباً فَظَنَّ أَن لَّن نَّقْدِرَ عَلَيْهِ فنادى فِي الظلمات أَن لاَّ إله إِلاَّ أَنتَ سُبْحَانَكَ إِنِّي كُنتُ مِنَ الظالمين.

تفسير قوله تعالى: فاصبر لحكم ربك ولا تكن كصاحب الحوت

وسفينة النجاة واحدة، تتمثل في حمل الدعوة إلى آخر كلمة، والسعي بها الى آخر لحظة، والاستمساك بمبادئها إلى آخر رجل على وجه الأرض. بطن الحوت مصير محتوم قضى الله على يونس عليه السلام أن يلتقمه الحوت، حيث الظلمة والضيق والموت، ليجد من ترك الألواح نفسه في بطن الحوت، حوت القهر والشدة، حوت الضيق والظلمة، حوت غياب المنطق وضياع الأسباب وانعدام الرؤية. بطن الحوت، حيث يونس عليه السلام، وكل يونس، تيارًا كان أم رمزًا، نظامًا، كان أم منظومة، أعدادًا ضخمة كانت أم صغيرة، فهذا مآل من ترك ميدان جهاده، وبحث عن سفينة للنجاة وفق رؤيته الخاصة ومراده، فمن ألقى الألواح لا يتوقع أن يجد في بطن الحوت الفلاح أو النجاح. في بطن الحوت لهيب يحرق الجميع، وضيق يخنق الجميع، وشدة تعصف بالجميع. بطن الحوت حيث لا متسع لتنازع ينشب على مكانة أو مقام، لا مجال للشكوى من شدة الضيق أو الزحام، لا مجال للتنظير ومعسول الكلام، لا مجال للبحث عن الرفاهية وإضاعة الزمان. تفسير قوله تعالى: فاصبر لحكم ربك ولا تكن كصاحب الحوت. فليس ثمة تنازع أو خصام، فأزمتك ليست في أخيك المحشور معك، فأنتما في أحشاء الحوت سواء! إنما أزمتك في منهجية قيادتك، واعوجاج مسلكك، وواجب بطن الحوت يختلف عن واسع الأيام، وفُسحة المكان، وكثرة الأحباب والخلان.

الباقون بضمها من أزلقت، وهما لغتان: زلقت، وأزلفت. قال الفراء: يقولون: زلقت شعره وأزلقته إذا حلقته. والمعنى ليرمون بك ويلقونك. يقول الله تعالى لنبيه محمد صلى الله عليه وآله على وجه التوبيخ للكفار (أم تسألهم) اي هل تسألهم (أجرا) يعني ثوابا وجزاء على دعائك إياهم إلى الله وتخويفك إياهم من المعاصي وأمرك إياهم بطاعة الله (فهم من مغرم) أي هم من لزوم ذلك (مثقلون) أي محملون، فالاجر القسط من الخير الذي يستحق بالعمل. والمغرم ما يلزم من الدين الذي يلج في اقتضائه. وأصله اللزوم بالالحاح، ومنه قوله (إن عذابها كان غراما) ( 1) أي لازما ملحا قال الشاعر: يوم الجفار ويوم النسار * كانا عذابا وكانا غراما ( 2) وقولهم دفع مغرم أي دفع الاقتضاء بالالحاح. والغرم ما يلزم بالاقتضاء على وجه الالحاح فقط. والمثقل المحمل للثقل وهو ما فيه مشقة على النفس كالمشقة بالحمل الثقيل على الظهر، يقال: هو مثقل بالدين، ومثقل بالعيال ومثقل بما عليه من الحقوق اللازمة والأمور الواجبة.