وكذلك هؤلاء في حملهم الكتاب الذي أوتوه، حفظوه لفظا ولم يفهموه ولا عملوا بمقتضاه، بل أولوه وحرفوه وبدلوه، فهم أسوأ حالا من الحمير؛ لأن الحمار لا فهم له، وهؤلاء لهم فهوم لم يستعملوها؛ ولهذا قال في الآية الأخرى: (أُولئِكَ كَالْأَنْعامِ بَلْ هُمْ أَضَلُّ أُولئِكَ هُمُ الْغافِلُونَ). كنا وإياكم في مقال حول إجابة سؤال المشبه بالحمار يحمل اسفارا في الايات هم, وإذا كان لديكم أي سؤال أخر أو استفسار يتعلق بمنهاجكم أو بأي شيء؛ لأننا موقع كل شيء فيمكنكم التواصل معنا عبر قسم التعليقات، وسنكون سعداء بالرد والإجابة عليكم.
ت + ت - الحجم الطبيعي يقول الله عَزَّ وجَلَّ: (مثل الذين حملوا التوراة ثم لم يحملوها كمثل الحمار يحمل أسفارًا بئس مثل القوم الذين كذبوا بآيات الله والله لا يهدي القوم الظالمين) (الجمعة:5). يؤكد الفقهاء أنه مهما قيل عن غباء اليهود، وبلادة حسهم وعنائهم في قراءة التوراة دون أن يفهموا منها ما ينبغي فهمه فلن يصل شيء من ذلك إلى قوة المثل الذي ضرب لهم في القرآن الكريم في هذه الآية، فكما أن الحمار لا يجني من حمل الكتب والأسفار إلا الكد والتعب، ولا رجاء أن يفهم شيئًا منهم، فكذلك حال اليهود مع التوراة.
وقد أشار ابن القيم تعليقًا على هذا المثل قائلاً: فقاس من حمَّله سبحانه كتابه، ليؤمن به ويتدبره، ويعمل به، ويدعو إليه، ثم خالف ذلك، ولم يحمله إلا على ظهر قلب، فقرءاته بغير تدبر ولا تفهم، ولا اتباع له وتحكيم له، وعمل بموجبه؛ كحمار على ظهره زاملة أسفار لا يدري ما فيها وحظه منها حملها على ظهره ليس إلا، فحظه من كتاب الله كحظ هذا الحمار من الكتب التي على ظهره. وهنا يرد سؤال: لماذا استحق اليهود هذا الوصف، وما هي الشبهة التي أودت بهم إلى هذا الوصف الذي جردهم من الآدمية والإنسانية؟ وهل هذا الوصف خاص بهم أم يشمل من على شاكلتهم؟ بادئ ذي بدء لابد أن نعرف أن المثل الذي وصف اليهود بهذا الوصف جاء في سورة مدنية هي سورة الجمعة، وقد بدأت آياتها بإثبات التوحيد لله ثم إثبات النبوة لرسول الإسلام محمد عليه السلام بقوله تعالى:(هو الذي بعث في الأميين رسولاً منهم... ) الآية، فاليهود فهموا منها أن هذا الرسول للعرب خاصة وأنه لم يبعث إليهم، وتناسى هؤلاء ما جاء في التوراة من الإيمان بهذا الرسول عندما يبعث، وكان هذا كافيا. ولكنهم أعرضوا عن العمل بالتوراة، ولم يؤمنوا بهذا النبي عليه السلام، ورددوا هذه الشبهة أنه نبي العرب وحدهم، لذلك وجدنا رد القرآن عليهم في دحض شبهتهم بتصويرهم بصورة الحمار الذي يحمل أسفارًا ثمينة من العلم، ولا يلقي منها إلا التعب والمشقة، هكذا حال اليهود في مخالفتهم التوراة، بهذا فقد استحقوا هذا الوصف.
وبنحو الذي قلنا في ذلك قال أهل التأويل. ذكر من قال ذلك: حدثني محمد بن عمرو ، قال: ثنا أبو عاصم ، قال: ثنا عيسى; وحدثني الحارث ، قال: ثنا الحسن ، قال: ثنا ورقاء جميعا عن ابن أبي نجيح ، عن مجاهد ، في قوله: ( يحمل أسفارا) قال: يحمل كتبا لا يدري ما فيها ، ولا يعقلها. حدثنا بشر ، قال: ثنا يزيد ، قال: ثنا سعيد ، عن قتادة ( مثل الذين حملوا التوراة ثم لم يحملوها كمثل الحمار يحمل أسفارا) قال: يحمل كتابا لا يدري ماذا عليه ، ولا ماذا فيه. حدثنا ابن عبد الأعلى ، قال: ثنا ابن ثور ، عن معمر ، عن قتادة ، في قوله: ( كمثل الحمار يحمل أسفارا) قال: كمثل الحمار الذي يحمل كتبا ، لا يدري ما على ظهره. [ ص: 378] حدثت عن الحسين ، قال: سمعت أبا معاذ يقول: ثنا عبيد ، قال: سمعت الضحاك يقول في قوله: ( كمثل الحمار يحمل أسفارا) كتبا ، والكتاب بالنبطية يسمى سفرا; ضرب الله هذا مثلا للذين أعطوا التوراة ثم كفروا. حدثني محمد بن سعد ، قال: ثني أبي ، قال: ثني عمي ، قال: ثني أبي ، عن أبيه ، عن ابن عباس ، قوله: ( مثل الذين حملوا التوراة ثم لم يحملوها كمثل الحمار يحمل أسفارا) والأسفار: الكتب ، فجعل الله مثل الذي يقرأ الكتاب ولا يتبع ما فيه ، كمثل الحمار يحمل كتاب الله الثقيل ، لا يدري ما فيه ، ثم قال: ( بئس مثل القوم الذين كذبوا بآيات الله)... الآية.