اهـ. وأما قولك: (فلا أعلم الضابط للحديث عن المستقبل الذي يجوز والذي يعتبر كذبا أو شركا، وماحكم التخمين أو التوقع لإبداء الرأي في موضوع معين إذا كانت بدون دلائل؟) فإن ظن الأمور المستقبلية، والتخمين والتوقع -ولو بلا دلائل- كل ذلك ليس من ادعاء علم الغيب، وليس كذبا ولا شركا، وكل الأمثلة التي ذكرتها لا علاقة لها بادعاء علم الغيب، بل هي اشكالات نابعة من الوسوسة؛ كما هو ظاهر. وأما قولك: (لا إله) ثم أقف، وبعدها بلحظات أكمل باقيها؛ سواء سهوا أو عمدا. فهل عليّ شيء؟) فلا إثم في الوقف سهوا أو اضطرارا، وأما تعمد مثل هذا الوقف اختيارا، فلا يجوز، وانظري الفتوى: 65172. ص41 - كتاب التوحيد للفوزان - الفصل الأول ادعاء علم الغيب في قراءة الكف والفنجان والتنجيم - المكتبة الشاملة. وأما علاج الوسوسة في العقيدة: فهي بالإعراض عن الوساوس، وتجاهلها، والتعوذ بالله منها، والسعي في علاجها بمراجعة المختصين النفسيين. وكثرة السؤال عن الخواطر الوسواسية ينافي التجاهل المطلوب للوساوس، وغالبا ما يؤدي إلى زيادة الوساوس لا علاجها. وراجعي الفتوى: 271810. والله أعلم.
قال أنس: فما فرحنا بشيء أشد فرحا بقول النبي صلى الله عليه وسلم: أنت مع من أحببت. وبناء على هذا، فإن هذه الإيحاءات التي تجدينها لا يظهر إلا أنها من الشياطين، فعليك بالاشتغال بنصوص الوحي التي ثبتت من نقل القراء لها بأسانيدهم المتواترة عن الصحابة الذين نقلوها عن النبي صلى الله عليه وسلم، وقد تناقلها المحدثون والمفسرون أيضا، فإن الاشتغال بالوحي الذي تواتر نقله عن الله أولى من الاشتغال بما لا يُعْلَم هل هو من إلهام الله لأوليائه أو من وحي الشياطين إلى أوليائهم؟ نسأل الله لنا ولكم الهداية للصراط المستقيم والسلامة من الزيغ. والله أعلم.
وقال تعالى مخاطبا نبيه صلى الله عليه وسلم: قُلْ لَا أَمْلِكُ لِنَفْسِي نَفْعًا وَلَا ضَرًّا إِلَّا مَا شَاءَ اللَّهُ وَلَوْ كُنْتُ أَعْلَمُ الْغَيْبَ لَاسْتَكْثَرْتُ مِنَ الْخَيْرِ وَمَا مَسَّنِيَ السُّوءُ {الأعراف: 188}. وروى الإمام مسلم عن عائشة قالت: ومن زعم أنه صلى الله عليه وسلم يخبر بما يكون في غد فقد أعظم على الله الفرية، والله يقول: قُلْ لَا يَعْلَمُ مَنْ فِي السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ الْغَيْبَ إِلَّا اللَّهُ. وما ذكره أخوك في رسالته هو نوع من أنواع الكهانة وادعاء علم الغيب الذي قد يخرج صاحبه من الملة، كما سبق بيانه في الفتاوى: 15284 ، 55364 ، 39659 ، فعليك بعدم الاكتراث بهذه المزاعم لأنها قائمة على التخرص والحدس ولا برهان عليها، بل ما سبق من أدلة يدحضها. كما يجب عليك نصحه بالتوبة من الكهانة وبيني له خطورة ما يقوم به وحذريه من التمادي في ذلك، فإن لم يرجع وجب عليك هجره في الله إن كان في هجره المصلحة حتى يتوب إلى الله ويرجع عما يفعل، ولمعرفة ضوابط الهجر في الله راجعي الفتوى رقم: 53017. أما استدلاله بقوله تعالى: عَلَّمَ الْإِنْسَانَ مَا لَمْ يَعْلَمْ {العلق: 5}. فاستدلال فاسد، لأن المقصود بالآية كما يقول المفسرون: علمه ما لا يعلم من الصنائع والخط وغير ذلك، أي من العلوم التي تكتسب، أما علم الغيب فلم يطلع الله عليه أحدا إلا من ارتضاه الله للرسالة أطلعه على ما شاء من غيبه.
أما هؤلاء الدجالون من أصحاب السبح ونحوهم فلا تزال بضاعتهم تروج مادام هذا الجهل فاشيًا في جميع طبقات الأمة ، ولا ينفع في الجاهل المُقَلِد الأعمى دليل ولا برهان.