( والله أنبتكم من الأرض نباتا ثم يعيدكم فيها ويخرجكم إخراجا). الدليل الثالث: على التوحيد قوله تعالى: ( والله أنبتكم من الأرض نباتا ثم يعيدكم فيها ويخرجكم إخراجا). واعلم أنه تعالى رجع ههنا إلى دلائل الأنفس وهو كالتفسير لقوله: ( خلقكم أطوارا) فإنه بين أنه تعالى [ ص: 125] خلقهم من الأرض ثم يردهم إليها ثم يخرجهم منها مرة أخرى ، أما قوله: ( أنبتكم من الأرض نباتا) ففيه مسألتان: المسألة الأولى: في هذه الآية وجهان: أحدهما: معنى قوله: ( أنبتكم من الأرض) أي أنبت أباكم من الأرض كما قال: ( إن مثل عيسى عند الله كمثل آدم خلقه من تراب) [آل عمران: 59]. والله أنبتكم. والثاني: أنه تعالى أنبت الكل من الأرض ؛ لأنه تعالى إنما يخلقنا من النطف وهي متولدة من الأغذية المتولدة من النبات المتولد من الأرض.
وقوله تعالى: { ألم تروا كيف خلق اللّه سبع سماوات طباقاً} أي واحدة فوق واحدة، ومعها يدور سائر الكواكب تبعاً، ولكن للسيارة حركة معاكسة لحركة أفلاكها، فإنها تسير من المغرب إلى المشرق، وكل يقطع فلكه بحسبه فالقمر يقطع فلكه في كل شهر مرة، والشمس في كل سنة مرة، وزحل في كل ثلاثين سنة مرة، وإنما المقصود أن اللّه سبحانه وتعالى: { خلق سبع سماوات طباقاً.
فظهر أن العدول من تلك الحقيقة إلى هذا المجاز كان لهذا السر اللطيف ، أما قوله: ( ثم يعيدكم فيها) فهو إشارة إلى الطريقة المعهودة في القرآن من أنه تعالى لما كان قادرا على الابتداء كان قادرا على الإعادة ، وقوله: ( ويخرجكم إخراجا) أكده بالمصدر كأنه قال: يخرجكم حقا لا محالة.
وقد أدمج الإنذار بالبعث في خلال الاستدلال ، ولكونه أهم رتبة من الاستدلال عليهم بأصل الإنشاء عطفت الجملة بـ ( ثم) الدالة على التراخي الرتبي في قوله ثم يعيدكم فيها ويخرجكم إخراجا ؛ لأن المقصود من الجملة هو فعل ويخرجكم ، وأما قوله ثم يعيدكم فهو تمهيد له. وأكد ( يخرجكم) بالمفعول المطلق لرد إنكارهم البعث.
ولو صح حمل اللفظ على ظاهره هنا، فيمكن مناقشة الرأي الثاني على النحو التالي: 1. الأصل أن اللفظ لا يصرف عن ظاهره إلا بقرينة، ولا قرينة في النص، بل القرينة تدل على إثبات ظاهر النص، فالمصدر يؤتى به لتوكيد العامل أو بيان نوعه أو عدده، واسم المصدر (نباتًا) مؤكد للفعل، "على معنى تحقيق الخبر وإزالة الشك في صدقه، كقوله: {وَكَلَّمَ اللَّهُ مُوسَى تَكْلِيمًا} [النساء: 164]"(1). لكنه في سورة آل عمران مبين للنوع، لذلك جاء الوصف بقوله: (حسنا)، فيمكن حمله على معنى الإنشاء والتربية بخلاف آية سورة نوح. 2. الإنبات في آية سورة نوح تم تخصيصه بقوله تعالى: (من الأرض)، وهذه قرينة لإرادة ظاهر اللفظ، بينما الإنبات في آية سورة آل عمران ليست مخصصا وليس متعلقا به شيء. 3. القران الكريم |وَاللَّهُ أَنْبَتَكُمْ مِنَ الْأَرْضِ نَبَاتًا. من الممكن أن يكون المراد بقوله تعالى: {وَأَنْبَتَها نَباتًا حَسَنًا} حقيقة الإنبات، وذلك إذا أريد الإنبات في الرحم، وعليه فلا حجة في الاستشهاد بهذه الآية الكريمة. 4. الاستدلال بقول العرب: زرعك الله للخير، وكذلك في قولنا: فلان زُرِعَ في بني فلان، لا يقصد به الإنشاء لأنه كائن بالفعل، لكن المراد: هيأك للخير، ونزل في بني فلان وعاش بينهم، وما أشبه هذه المعاني.
#أبو_الهيثم #مع_القرآن 3 1 13, 527