واذا الموؤدة سئلت باي ذنب قتلت

وأخذت أسير ومعي الصّبية قاطعاً الفيافي والقفار متجهاً إلى بئر عميقة أعرفها, ولما اقتربنا من البئر, قلت لها: هيا نتزود بالماء, فهجمت عليها وأخذت أدفعها بقوة إلى حافة البئر وهي تبكي وتصرخ وتستنجد قائلة: رحماك يا أبتاه, لا تفجع أمي يا أبتاه, وكانت تحاول أن تدفعني إلى الوراء بما أوتيت من قوة, ومن بكائها وصراخها وضراعتها شعر قلبي بشيء من الشفقة عليها, فخارت قواي, فتركتها.

تشديدة (7): بأي ذنبٍ قُتِّلَتْ - تشديدات القرآن - أبو محمد بن عبد الله - طريق الإسلام

ويوم رسمت الحكم بالفساد والاستبداد وصادرت حق الأمة في الصحة والتعليم وفي الاختيار الحر للحاكمين الفعليين وفي الكرامة وفي الديمقراطية الحقة، لا ديمقراطية تسويق الوهم وتزيين الوجه البشع للاستبداد بتسخير وترويض نخبة شاركتها هذا الإخراج الرديء وأعطتها جرعات الاستمرار والتمادي في الضلال والطغيان! وَلَا تَرْكَنُوا إِلَى الَّذِينَ ظَلَمُوا فَتَمَسَّكُمُ النَّارُ وَمَا لَكُمْ مِنْ دُونِ اللَّهِ مِنْ أَوْلِيَاءَ ثُمَّ لَا تُنْصَرُونَ (هود 113). إن المسؤولية اليوم قائمة على الشعب بكل أطيافه وأصنافه وفئاته لينصر المظلوم ويضرب على يد الظالم. ووالله ما قوة هذا الظالم المتعجرف إلا من ضعف لحمة هذا الشعب في تصديه للباطل. الأمة أصلا وأصالة قوية بمجموعها وبعناصر قوتها الكثيرة والمختلفة والمتنوعة، وبتأييد الله لها إن هي قامت تطلب حقها. لكنها إن تقاعست وضعفت استغل الظالم المستبد ضعفها. فأنت إما أن تستغل قوتك أو يستغل غيرك ضعفك، وهذه هي المعادلة في مواجهة الحق للباطل، لأن الظلم والباطل في أصله وأصالته جبان زهوق، وإنما يستمد قوته من ضعف جهة الحق وتخاذلها عن القيام بالواجب في ردع الظالم. تشديدة (7): بأي ذنبٍ قُتِّلَتْ - تشديدات القرآن - أبو محمد بن عبد الله - طريق الإسلام. وَقُلْ جَاءَ الْحَقُّ وَزَهَقَ الْبَاطِلُ إِنَّ الْبَاطِلَ كَانَ زَهُوقًا (الإسراء 81)… بَلْ نَقْذِفُ بِالْحَقِّ عَلَى الْبَاطِلِ فَيَدْمَغُهُ فَإِذَا هُوَ زَاهِقٌ وَلَكُمُ الْوَيْلُ مِمَّا تَصِفُونَ (الأنبياء 18).

إسلام ويب - أضواء البيان في إيضاح القرآن بالقرآن - سورة التكوير - قوله تعالى وإذا الموءودة سئلت بأي ذنب قتلت- الجزء رقم7

قال الإمام الشافعي رحمه الله: "كان بعض العرب تقتل الإناث من ولدها صغارًا خوف العَيلَةِ عليهم، والعار بهم، فلما نهى الله عز ذكره عن ذلك من أولاد المشركين دل على تثبيت النهي عن قتل أطفال المشركين في دار الحرب، وكذلك دلت عليه السنة مع ما دل عليه الكتاب، من تحريم القتل بغير حق"[تفسير الشافعي]. فهذه هي شريعتنا، ألا نقتل أطفال المشركين.. فإذا بالموت يُصبُّ حُمَمًا على أطفال المسلمين، ذكورًا وإناثًا! إسلام ويب - أضواء البيان في إيضاح القرآن بالقرآن - سورة التكوير - قوله تعالى وإذا الموءودة سئلت بأي ذنب قتلت- الجزء رقم7. بغير ذنب، إلا أنهم أولاد مَن ينتسبون إلى الإسلام، أو يُخشى أن يكبروا فيقولوا: ربُّنا الله. ثم الكلمة بيت القصيد؛ هي: قُتِلْتُ قُتِلَت قُتِّلَتْ. قُتلت: فيها قراءات ثلاث: الأول: بالتخفيف في { قُتِلَتْ}: حيث قرأها جمهور القُرَّاء بتخفيف التاء وكسرها، مع البناء للمجهول. بالتخفيف أيضًا، لكن بالبناء للمعلوم { قُتِلْتُ}، فقد قرأ عليّ بن أبي طالب رضي الله عنه وابن مسعود وابن عباس وأبو عبد الرحمن وابن يعمر وابن أبي عبلة، وهارون عن أبي عمرو { سَأَلَتْ} بفتح السين، وألفٌ بعدها: { بِأَيِّ ذَنْبٍ قُتِلْتُ} بإسكان اللام، وضم التاءَ الأخيرة. [زاد المسير:4 /408]. الثاني: بالتشديد في {قُتِلَتْ}: حيث قرأها أبو جعفر بتشديد التاء: {قُتِّلَتْ}.

فما دلالة التخفيف والتشديد هنا؟ إن قراءة التخفيف تحكي الفِعلة، من غير إشارة إلى عدد القتلى أو القَتلات أو القَِتلات؛ أي: طريقتها. أما القراءة الثانية بتشديد التاء { قُتِّلَت} وكأنَّ الموءودة هذه قُتِلت ثم قُتِلَت ثم قُتِلت.. عدة قتلات، أو قُتِلت قتلًا شديدًا شنيعًا فظيعًا! كان وأدهم للبنات ذلك الزمان يُعدُّ شديدًا فظيعًا، وكانت صورته أن يقول أبُ البنت التي قاربت الست سنوات، يقول لأمها زيِّنيها فإني ذاهبٌ بها لزيارة أخوالها أو أقاربها، ويكون قد أعدَّ لها بئرًا، فإذا وصل إليه، يقول لها: انظري في البئر، فتأتي ببرائتها وثقتها على حافته لترى ما ذا أراد أبوها أن يُفرِّجها! ثم يدفع بها في قَعره، ويعود أدراجه، وقد تخلص من عار يخشاه أو فقر يخشاه أو يتوقعه، لا يريد فلذة كبده أن تشاركه أو تشاطره لقمة العيش! أو يخشى من أن تُسَوِّد وجهه! لذلك كان: {وَإِذَا بُشِّرَ أَحَدُهُمْ بِالْأُنْثَى ظَلَّ وَجْهُهُ مُسْوَدًّا وَهُوَ كَظِيمٌ، يَتَوَارَى مِنَ الْقَوْمِ مِنْ سُوءِ مَا بُشِّرَ بِهِ أَيُمْسِكُهُ عَلَى هُونٍ أَمْ يَدُسُّهُ فِي التُّرَابِ أَلَا سَاءَ مَا يَحْكُمُونَ}[النحل:58 -59]. أو تقعد أمُّها حين الولادة على شفا حفرة، فإن وضعتها بنتا ألقت بها في الحفرة وردمتها، وإن كان ذكرًا عادت به!