الشاعر الذي اجترح الثورة ومضى وحيداً.. في ذكرى رياض صالح الحسين

هذه النبرة ستنضج وتجد منطقها الجمالي والمفاهيمي للشعر مع ديوانه الثالث "بسيط كالماء، واضح كطلقة مسدس"، وستكون قصيدة الراحل حينها كما عنوان المجموعة نفسها: بسيطة وواضحة وتستعير جمالها من مفردات عادية وجدت طريقها للشعر في قصائده. يشير مصري إلى مصادفة أن يكون آخر ما كتبه رياض في ديوانه الأخير وقصيدته الأخيرة "لقد اعتدت/ أن أنتظرك أيتها الثورة"، كأن صوت رياض ينطق لتوّه الآن، ويحثّنا أن نردّد معه "يا سورية الجميلة السّعيدة/ كمدفأة في كانون/ يا سورية التعيسة/ كعظمة بين أسنان كلب/ يا سورية القاسية/ كمشرط في يد جرّاح/ نحن أبناؤك الطيّبون/ الذين أكلنا خبزكِ وزيتونكِ وسياطكِ/ أبداً سنقودكِ إلى الينابيع/ أبداً سنجفّف دمكِ بأصابعنا الخضراء/ ودموعكِ بشفاهنا اليابسة/ أبداً سنشقّ أمامَك الدروب/ ولن نترككِ تضيعين يا سورية/ كأغنية في صحراء". ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ استبعدها بنفسه هي المرة الأولى التي تصدر فيها أعمال رياض الصالح حسين مجمّعة وكاملة، بعد نفاد طبعات مجموعاته السابقة، لكن المجموعة الكاملة التي أشرف على إصدارها الشاعر عماد نجار، ابن أخت الراحل، استبعد منها عدة قصائد كان نشرها موقع "جدار" الإلكتروني قبل فترة قصيرة وذلك لعدم وجود مصدر واضح لها، إضافة إلى أن الشاعر اعتمد بنفسه آخر مجموعاته "وعل في الغابة" من غير ذكر هذه القصائد، ما يعني أنه استبعدها بنفسه من النشر.
  1. رياض الصالح الحسين التقنية
  2. رياض الصالح الحسين الرياضية
  3. رياض الصالح الحسين للسرطان

رياض الصالح الحسين التقنية

نجومي قصص حياة المشاهير وسيرهم الشخصية ولد الشاعر السوري رياض الصالح الحسين في محافظة درعا السورية بتاريخ 10 آذار/ مارس 1954م، وعلى الرغم من حياته القصيرة والقاسية، ومرضه الذي أدى به لفقدان حاستي النطق والسمع، إلا أنه استطاع أن يترك أثر بليغ على الشعر السوري، وبالخصوص على تيار القصيدة اليومية التي باتت الأكثر انتشاراً بالشعر السوري. حياة رياض الصالح الحسين الشخصية: على الرغم من أن عائلته تنتمي الى مدينة مارع شمال محافظة حلب، إلا أن عمل والده في الجيش السوري، اضطر العائلة على التنقل في مناطق سورية متعددة، فولد رياض في درعا من أمه سامية التي كانت الزوجة الثانية لوالده، فعاش مع عائلة كبيرة تضمه مع والديه وأشقائه وشقيقاته التسعة، وأخويه من الزوجة الأولى لوالده. رياض الصالح الحسين بعد أن نال الشهادة الابتدائية ودخوله الى الصف السابع بالمرحلة الإعدادية، اضطر لترك المدرسة بعد أن أصيب بالتهاب حاد للمجاري البولية، ادى لاحقاً لإصابته بقصور كلوي حاد، فأجريت له العملية الجراحية الأولى وهو في الثالثة عشرة من عمره، والتي أدت الى فقدانه القدرة على السمع أو النطق، وعلى الرغم من أنه بات أصم وأبكم إلا أنه عمل على تثقيف نفسه بنفسه.

رياض الصالح الحسين الرياضية

طوال الطريق كان ينطّ أمامي وخلفي وعلى جانبيّ، وهو يردّد ضاحكًا: «إنها حياة جميلة.. إنها حياة حلوة.. إنها حياة لذيذة»، بصوته الذي لم أستطع وصفه من قبل، أمّا الآن، وقد توضّح كل شيء، فإنه صوت رجل عاش سنواته كلها يلفظ، أو ربما، يلتقط، أنفاسه الأخيرة. (رياض الصالح الحسين) -10/4/1954-20/11/1982- رغم طيبته وطيشه، كان يعلم، كان يعلم في أعماقه، أنه سريعًا سريعًا ما سيكون واحدًا من أولئك الذين يكرههم، ولا يكره شيئًا في العالم أكثر من أن يكون واحدًا منهم.. الموتى. الموتى الذين لا ذنب لهم سوى أنهم ماتوا! غصبًا عنهم ماتوا. وأنهم، لا أحد يدري غايتهم، كانوا ينتظرونه! وما كان لرياض أن يغفر لهم شيئًا كهذا، هو الذي يكاد لا يعترف بخطيئة، كان يؤمن أن الموت هو الخطيئة الوحيدة للبشر. كان (رياض)، ليس كأيّ واحد منّا، بل أكثر بما لا يقارن، يكره الموت ويخافه، يخاف الموت ويكرهه، إلى الحد الذي يجعله يستيقظ باكرًا كل يوم ليحاربه، ليحاربه كل اليوم، كل نفس، كل خطوة، كل حب، كل قبلة، كل قصيدة، كل كلمة. يحارب كل أنواع الموت كل أنواع الحرب، رابحًا دائمًا كل أنواع الخيبة، كل أنواع الهزيمة. رياض الصالح الحسين الرياضية. مرات ألقى بأسلحته، أقلام وأوراق، تحت أقدامه، ومرات ألقى بجسده، شاحبًا وباردًا، على مائدة عشائه، ومرات، مرات لا حصر لها، أطلق ساقيه للريح بغية الهرب، ولا أيّ مجد آخر… إلى أين؟!

رياض الصالح الحسين للسرطان

أو في نصّ آخر يحاكي صراعه مع الموت: "أمس لم يسأل عني أحد زارني الموت ولم يكن على الرفّ قهوة ولأن الموت يحب القهوة مثل جميع الناس فلقد قلب شفتيه وصفق الباب وراءه ومضى في قطار العتمة" وفي القصيدة التي عنونها بـ "الرجل السيّئ" حين تنبأ فيها بنهايته القريبة والمفجعة: "أنا الرجل السيئ كان عليّ أن أموت صغيرًا قبل أن أعرف المناجم والدروب المرأة التي تغسل يديها بالعطور والملك الذي يزيّن رأسه بالجماجم" وبتلك اللغة الانسيابية و"البسيطة كالماء" استطاع الحسين أن يتنبأ أيضاً بثورة السوريين بصورة أوضح من "طلقة مسدس".

هذا المساء وعندَ هذهِ الخطوة هذا الليل ونحنُ نعبُرُ الجبّانةَ بخُطًا واجفة نسمَعُ أنفاسَ الموتى … إنَّها حياةٌ جميلة.. » قتيل‭ ‬بطعنة‭ ‬خنجر ها أنذا أردّد ما كان «رياض» بصوته الهشّ، بجسده الواهن، يقوله ويكتبه ويحياه. القصيدة التي أستطيع أن أدعي، توأم «الخنجر». ألم تولد من الرحم ذاته؟ الحياة؟ ومن الظهر ذاته، الموت، في الغرفة ذاتها، وعلى الطاولة ذاتها، وفي الليلة ذاتها؟ ولكن، إذا أردت الصدق، هي لا أكثر من الأخت الصغيرة، تقطف من ثمار الفروع الواطئة لذات الشجرة الآبدة، التي تهبش منها أختها: «تسمع أنفاس الموتى – إنها حياة جميلة»، فالرجل الميت في «الخنجر» واحد منهم لا ريب، ومثلهم يردد بصوت كالفحيح: «إنها حياة جميلة»، ويتململ محاولًا العودة للحياة. إلا أن «الخنجر» يغوص أعمق في الجرح. فالرجل ليس ميتًا فحسب، بل قتيل، قتيل بطعنة خنجر، وهو يسمي الخنجر صديقه، ويسمي قاتليه أعزاءه. رياض الصالح الحسين التقنية. إنه شعور ينبجس من قبر شاعر قتيل. يذكرني ذلك بالشاعر (غارسيا لوركا) فهي قصيدة تصلح أن يكون قد كتبها وهو في قبره المجهول. قد يقول أحدكم: «إلا أن هذا يجعل القتيل أقرب ما يكون إلى مسيح يغفر للآخرين كل شيء، حتى قتله؟! لكني حقًّا أرى أن لا علاقة لمفهوم الغفران المسيحي في هذه القصيدة، القتيل لا يفكر به، إنه لا يبكي، لا يندم، لا يشفق على نفسه، لا يفكر بالانتقام، لا يغفر، إنه يمد يده، يمسك بقبضة الخنجر، يريد أن يقف على قدميه ويعود حيًّا، هذا كل ما في الأمر.