[٢] أبو سنان الخفاجي (423هـ - 466هـ) هو عبد الله بن محمد بن سعيد بن سنان الخفاجي الحلبي، تطرّق أبو سنان إلى هذا الموضوع في كتابه "سر الفصاحة" ولكن لم يذكر خلاله لفظي صدق الشّعر وكذبه، إنّما تحدّث عن الغلو والمبالغة والإحالة، فيرى أنّ المبالغة والغلو في المعنى هو أمرٌ مُختَلفٌ فيه.
ولَيسَ مَعذوراً إِذا مَا يغضَبُ إِذا العِقابُ عِندَه لا يَصعبُ كما أنَّ الكذب إذا لازم الإنسان صفته أصبح من الصعب تصديقه وإن قال الحقيقة، يقول الشَّاعر: كَذبتَ ومَن يَكذبْ فإنَّ جزاءَه إذا مَا أتى بالصِّدقِ أن لا يُصَدَّقا!
[٢] أمّا من قال أعذب الشّعر أصدقه فقد ترك المبالغة في الشّعر واتّجه نحو الحقيقة وتصوير الواقع كما هو دون أية إضافات، وذلك لأنّ هذا الصّدق الشّعري لدى من قال به أكثر فائدة وأعم، وبذا يكون عبد القاهر الجرجاني قد وفّق بين الصدق والكذب الفنّي. [٢] أقسام الصدق في الشعر ينقسم الصدق في الشعر -كما يرى بعض النقّاد- إلى صدق أخلاقي وصدق فنّي، وفيما يأتي تفصيل المُصطلحَين: الصدق الأخلاقي ويقصِد هذا النوع من الشّعر ذلك الشّعر الذي يقوم على الصّدق المطابق للواقع، فينقل الواقع كما هو دون زيادة أو نقصان بأمانة وصدق، وهنا الشّاعر لا يتقيّد بصدق المشاعر فقط، بل يلتزم بصدق المشاعر إلى جانب الصدق في نقل الواقع أيضًا. [٤] هذا النقل الحرفي يتطلّب كتابة الشّعر ونقل الواقع كما هو، لكنّ هذا الأمر قد يفقد الشّعر أحد مقوّماته الأساسيّة وهو عنصر التّصوير، فإذا كان الصّدق الأخلاقي يقوم على نقل الواقع كما هو، فإنّ ذلك يمنع من استخدام عنصر التخييل لما فيه من مبالغة وغلو، وهذا يتنافى مع طبيعة الشّعر، إذ إنّ الشّعر يقوم على التصوير والتخييل معًا. قضية الصدق والكذب في الشعر - موضوع. [٤] الصدق الفني إنّ الأصل في كل إبداع فنّي هو التّجربة الإنسانيّة؛ فالفن ينقل ما يجول في الواقع من أحداث وما يرافق هذه الأحداث من مشاعر، فالفنُّ هو مرآة للحياة الإنسانيّة، وقد يكون الشّاعر لم يعشها إنّما رآها أمامه فتمثّلها، وأكثر الشعراء العرب يسيرون في هذا الطريق قديمًا وحديثًا.