ما معنى: {لا يَضُرُّكُمْ مَنْ ضَلَّ إِذَا اهْتَدَيْتُمْ}؟

ومن الناس من فسر الاهتداء هنا بالأمر بالمعروف والنهي عن المنكر وروي ذلك عن حذيفة وسعيد بن المسيب، والثاني: أن الآية تسلية لمن يأمر وينهى ولا يقبل منه عند غلبة الفسق وبعد عهد الوحي، فقد أخرج عبد الرزاق وأبو الشيخ والطبراني وغيرهم عن الحسن أن ابن مسعود رضي الله تعالى عنه سأله رجل عن هذه الآية فقال: أيها الناس إنه ليس بزمانها ولكنه قد أوشك أن يأتي زمان تأمرون بالمعروف فيصنع بكم كذا وكذا أو قال: فلا يقبل منكم فحينئذٍ عليكم أنفسكم لا يضركم من ضل إذا اهتديتم. وأخرج ابن جرير عن ابن عمر رضي الله تعالى عنهما أنه قيل له: لو جلست في هذه الأيام فلم تأمر ولم تنه فإن الله تعالى يقول: {عَلَيْكُمْ أَنْفُسَكُمْ} فقال: إنها ليست لي ولا لأصحابي لأن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: «ألا فليبلغ الشاهد الغائب» فكنا نحن الشهود وأنتم الغيب ولكن هذه الآية لأقوام يجيئون من بعدنا إن قالوا لم يقبل منهم. وأخرج ابن مردويه عن معاذ بن جبل أنه قال: يا رسول الله أخبرني عن قول الله عز وجل: {يا أَيُّهَا الذين ءامَنُواْ عَلَيْكُمْ أَنْفُسَكُمْ لاَ يَضُرُّكُمْ مَّن ضَلَّ إِذَا اهتديتم} فقال صلى الله عليه وسلم: يا معاذ «مروا بالمعروف وتناهوا عن المنكر فإذا رأيتم شحًا مطاعًا وهوى متبعًا وإعجاب كل امرىء برأيه فعليكم أنفسكم لا يضركم ضلالة غيركم فإن من ورائكم أيام صبر المتمسك فيها بدينه مثل القابض على الجمر فللعامل منهم يومئذٍ مثل عمل أحدكم اليوم كأجر خمسين منكم قلت: يا رسول الله خمسين منهم قال: بل خمسين منكم أنتم».

  1. الدرر السنية
  2. تفسير: (يا أيها الذين آمنوا عليكم أنفسكم لا يضركم من ضل إذا اهتديتم)
  3. ما معنى: {لا يَضُرُّكُمْ مَنْ ضَلَّ إِذَا اهْتَدَيْتُمْ}؟

الدرر السنية

هذا، وقد يقول قائل: إن ظاهر هذه الآية قد يفهم منه بعض الناس، أنه لا يضر المؤمنين أن يتركوا الأمر بالمعروف والنهى عن المنكر ماداموا قد أصلحوا أنفسهم لأنها تقول: عَلَيْكُمْ أَنْفُسَكُمْ لا يَضُرُّكُمْ مَنْ ضَلَّ إِذَا اهْتَدَيْتُمْ فهل هذا الفهم مقبول؟ والجواب على ذلك، أن هذا الفهم ليس مقبولا، لأن الآية الكريمة مسوقة لتسلية المؤمنين، ولإدخال الطمأنينة على قلوبهم إذا لم يجدوا أذنا صاغية لدعوتهم. فكأنها تقول لهم: إنكم- أيها المؤمنون- إذا قمتم بما يجب عليكم، لا يضركم تقصير غيركم. تفسير: (يا أيها الذين آمنوا عليكم أنفسكم لا يضركم من ضل إذا اهتديتم). ولا شك أن مما يجب عليهم القيام به: الأمر بالمعروف والنهى عن المنكر، إذ لا يكون المرء مهتديا إلى الحق مع تركه لفريضة الأمر بالمعروف والنهى عن المنكر وإنما يكون مهتديا متى أصلح نفسه ودعا غيره إلى الخير والصلاح. أى أن الهداية التى ذكرها- سبحانه- فى قولهم إِذَا اهْتَدَيْتُمْ لا تتم إلا بإصلاح النفس ودعوة الغير إلى الخير والبر.

تفسير: (يا أيها الذين آمنوا عليكم أنفسكم لا يضركم من ضل إذا اهتديتم)

والثالث: أنها للمنع عن هلاك النفس حسرة وأسفًا على ما فيه الكفرة والفسقة من الضلال فقد كان المؤمنون يتحسرون على الكفرة ويتمنون إيمانهم فنزلت. والرابع: أنها للرخصة في ترك الأمر والنهي إذا كان فيهما مفسدة. الدرر السنية. والخامس: أنها للأمر بالثبات على الإيمان من غير مبالاة بنسبة الآباء إلى السفه، فقد قيل: كان الرجل إذا أسلم قالوا له سفهت أباك فنزلت، وقيل: معنى الآية يا أيها الذين آمنوا الزموا أهل دينكم واحفظوهم وانصروهم لا يضركم من ضل من الكفار إذا فعلتم ذلك، والتعبير عن أهل الدين بالأنفس على حد قوله تعالى: {لاَ تَقْتُلُواْ أَنفُسَكُمْ} [النساء: 29] ونحوه، والتعبير عن ذلك الفعل بالاهتداء للترغيب فيه ولا يخفى ما فيه. قال الشنقيطي: قوله تعالى: {يا أيها الذين آمَنُواْ عَلَيْكُمْ أَنْفُسَكُمْ لاَ يَضُرُّكُمْ مَّن ضَلَّ إِذَا اهتديتم}. قد يتوهم الجاهل من ظاهر هذه الآية الكريمة عدم وجوب الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، ولكن نفس الآية فيها الإشارة إلى أن ذلك فيما إذا بلغ جهده فلم يقبل منه المأمور، وذلك في قوله: {إِذَا اهتديتم} ، لأن من ترك الأمر بالمعروف لم يهتد، وممن قال بهذا حذيفة، وسعيد بن المسيب، كما نقله عنهما الألوسي في تفسيره، وابن جرير، ونقله القرطبي عن سعيد بن المسيب، وأبي عبيد القاسم بن سلام، ونقل نحوه ابن جرير عن جماعة من الصحابة منهم ابن عمر وابن مسعود.

ما معنى: {لا يَضُرُّكُمْ مَنْ ضَلَّ إِذَا اهْتَدَيْتُمْ}؟

رواه أبو داود والترمذي وابن ماجه وأحمد، وصححه الألباني. وهذا لا يخالف ما سبق بيانه في الحديث الأول، فقد استدل أهل العلم بقوله: ثم يقدرون على أن يغيروا ثم لا يغيروا ـ على أن الإنكار باليد واللسان يكون بحسب القدرة، فالوجوب يسقط عند العجز وعند خوف الضرر ـ كما تقدم ـ بخلاف مجرد الأذية بالقول، قال ابن رجب: إن خاف السب، أو سماع الكلام السيئ، لم يسقط عنه الإنكار بذلك، نص عليه الإمام أحمد. عليكم انفسكم لا يضركم من ضل اذا اهدتيم. اهـ. وراجع للفائدة الفتويين رقم: 5870 ، ورقم: 220009. والله أعلم.

يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا عَلَيْكُمْ أَنفُسَكُمْ ۖ لَا يَضُرُّكُم مَّن ضَلَّ إِذَا اهْتَدَيْتُمْ ۚ إِلَى اللَّهِ مَرْجِعُكُمْ جَمِيعًا فَيُنَبِّئُكُم بِمَا كُنتُمْ تَعْمَلُونَ (105) يقول تعالى آمرا عباده المؤمنين أن يصلحوا أنفسهم ويفعلوا الخير بجهدهم وطاقتهم ، ومخبرا لهم أنه من أصلح أمره لا يضره فساد من فسد من الناس ، سواء كان قريبا منه أو بعيدا. قال العوفي ، عن ابن عباس عند تفسير هذه الآية: يقول تعالى: إذا ما العبد أطاعني فيما أمرته به من الحلال والحرام فلا يضره من ضل بعده ، إذا عمل بما أمرته به. وكذا روى الوالبي عنه. وهكذا قال مقاتل بن حيان. فقوله: ( يا أيها الذين آمنوا عليكم أنفسكم) نصب على الإغراء ( لا يضركم من ضل إذا اهتديتم إلى الله مرجعكم جميعا فينبئكم بما كنتم تعملون) أي: فيجازي كل عامل بعمله ، إن خيرا فخير ، وإن شرا فشر. وليس في الآية مستدل على ترك الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر ، إذا كان فعل ذلك ممكنا ، وقد قال الإمام أحمد رحمه الله: حدثنا هاشم بن القاسم ، حدثنا زهير - يعني ابن معاوية - حدثنا إسماعيل بن أبي خالد ، حدثنا قيس قال: قام أبو بكر ، - رضي الله عنه - ، فحمد الله وأثنى عليه ، وقال: أيها الناس ، إنكم تقرؤون هذه الآية: ( يا أيها الذين آمنوا عليكم أنفسكم لا يضركم من ضل إذا اهتديتم) إلى آخر الآية ، وإنكم تضعونها على غير موضعها ، وإني سمعت رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال: " إن الناس إذا رأوا المنكر ولا يغيرونه أوشك الله ، عز وجل ، أن يعمهم بعقابه ".

وأخرج سعيد بن منصور، وعبد بن حميد عنه في الآية قال: «مروا بالمعروف وانهوا عن المنكر ما لم يكن من دون ذلك السوط والسيف، فإذا كان كذلك فعليكم أنفسكم» وأخرج ابن جرير، وابن مردويه، عن ابن عمر، أنه قال في هذه الآية: إنها لأقوام يجيئون من بعدنا إن قالوا لم يقبل منهم. وأخرج عبد الرزاق، وابن جرير، عن رجل قال: كنت في خلافة عمر بن الخطاب بالمدينة في حلقة فيهم أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم، فإذا فيهم شيخ حسبت أنه قال أُبيّ بن كعب، فقرأ {عَلَيْكُمْ أَنْفُسَكُمْ} فقال: إنما تأويلها في آخر الزمان. وأخرج عبد بن حميد، وابن جرير، وأبو الشيخ، عن أبي مازن قال: انطلقت على عهد عثمان إلى المدينة، فإذا قوم جلوس فقرأ أحدهم: {عَلَيْكُمْ أَنْفُسَكُمْ} فقال أكثرهم: لم يجيء تأويل هذه الآية اليوم.