رحمتي سبقت غضبي

جعل الله الرحمة مائة جزء، فأمسك عنده تسعة وتسعين جزءا، وأنزل إلى الأرض جزءا واحدا، منه يتراحم الخلق فيما بينهم حتى ترفع الفرس حافرها عن ولدها خشية أن تصيبه، وجعل رحمته تغلب وتسبق غضبه تفضلا منه وإحسانا على مخلوقاته، وكتب ذلك قبل أن يخلق هذا الخلق ويوجده، وفي الحديث عن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ( لما قضى الله الخلق كتب في كتابه فهو عنده فوق العرش إن رحمتي غلبت غضبي) وفي رواية: ( سبقت غضبي) رواه ا لبخاري ومسلم واللفظ للبخاري. شرح المفردات: لما قضى الله الخلق: أي لما فرغ من خلق المخلوقات ويدل عليه رواية أخرى في الصحيح ( لما خلق الله الخلق). كتب في كتابه: أي كتب في اللوح المحفوظ ما هو كائن إلى يوم القبامة.

  1. القرآن الكريم - تفسير القرطبي - تفسير سورة الأحزاب - الآية 43

القرآن الكريم - تفسير القرطبي - تفسير سورة الأحزاب - الآية 43

أخرجه البخاري، كتاب التوحيد، باب قول الله تعالى: وَيُحَذِّرُكُمُ اللَّهُ نَفْسَهُآل [عمران: 28]، رقم: (7404)، ومسلم، كتاب التوبة، باب في سعة رحمة الله تعالى وأنها سبقت غضبه، رقم: (2751). أخرجه البخاري، كتاب بدء الخلق، باب ما جاء في قول الله تعالى: وَهُوَ الَّذِي يَبْدَأُ الْخَلْقَ ثُمَّ يُعِيدُهُ وَهُوَ أَهْوَنُ عَلَيْهِ [الروم:27]، رقم: (3194). أخرجه البخاري، كتاب التوحيد، باب قول الله تعالى: بَلْ هُوَ قُرْآنٌ مَجِيدٌ ۝ فِي لَوْحٍ مَحْفُوظٍ [البروج:21 - 22]، رقم: (7554). القرآن الكريم - تفسير القرطبي - تفسير سورة الأحزاب - الآية 43. أخرجه البخاري، كتاب تفسير القرآن، باب لَيْسَ لَكَ مِنَ الْأَمْرِ شَيْءٌ [آل عمران:128]، رقم: (4560)، ومسلم، كتاب المساجد ومواضع الصلاة، باب استحباب القنوت في جميع الصلاة إذا نزلت بالمسلمين نازلة، رقم: (675).

ووَجه المُناسَبةِ بين بَدءِ الخَلقِ وسَبقِ الرَّحمةِ: أنَّ العِبادَ مَخلوقون للعِبادةِ شُكرًا للنِّعَمِ الفَائضةِ عَليهِم، ولا يَقدِرُ أحدٌ على أداءِ حقِّ الشُّكرِ، وبَعضُهُم يُقصِّرُ فيه؛ فسَبَقَت رَحمَتُه في حقِّ الشَّاكرِ بأن وفَّى جَزاءه. والمُرادُ بالعَرشِ: عَرشُ الرَّحمنِ الذي استَوى عليه جَلَّ جَلالُه، وهو أعلى المَخلوقاتِ وأكبَرُها وأعظَمُها، وَصَفَه اللهُ بأنَّه عَظيمٌ، وبأنَّه كَريمٌ؛ فوَصَفَه بالحُسنِ من جِهةِ الكَمِّيةِ، وبالحُسنِ من جِهةِ الكَيفيَّةِ. وفي الحديثِ: دَليلٌ على استواءِ اللهِ تَعالَى على عرشِه، وعُلُوِّه على خَلقِه. وفيه: بيان سَعَةِ رَحمةِ الله، وكَثرةِ فضلِه في حِلمِه قبلَ انتِقامِه، وعَفوِه قبلَ عُقوبَتِه. وفيه: إثباتُ صِفَتَيِ الرَّحمةِ والغَضَبِ لله سُبحانَه وتَعالَى، من غَيرِ تَشبيهٍ ولا تَمثيلٍ ولا تعطيلٍ. وفيه: إثباتُ تَفاضُلِ صِفاتِ اللهِ تَعالَى؛ فقد وَصَف رَحمَتَه بأنَّها تَغلِبُ وتَسبِقُ غَضَبَه، وهذا يَدُلُّ على فَضلِ رَحمَتِه على غَضَبِه من جِهةِ سَبقِها وغَلَبَتِها.