تفسير عالم الغيب فلا يظهر على غيبه أحدا [ الجن: 26]

قوله تعالى: عالم الغيب فلا يظهر على غيبه أحدا إلا من ارتضى من رسول فإنه يسلك من بين يديه ومن خلفه رصدا فيه مسألتان: الأولى: قوله تعالى: عالم الغيب ، عالم رفعا نعتا لقوله: ربي. وقيل: أي هو عالم الغيب والغيب ما غاب عن العباد. وقد تقدم بيانه في سورة ( البقرة) فلا يظهر على غيبه أحدا إلا من ارتضى من رسول فإنه يظهره على ما يشاء من غيبه; لأن الرسل مؤيدون بالمعجزات ، ومنها الإخبار عن بعض الغائبات; وفي التنزيل: وأنبئكم بما تأكلون وما تدخرون في بيوتكم. وقال ابن جبير: ( إلا من ارتضى من رسول) هو جبريل - عليه السلام -. وفيه بعد ، والأولى أن يكون المعنى: أي لا يظهر على غيبه إلا من ارتضى أي اصطفى للنبوة ، فإنه يطلعه على ما يشاء من غيبه: ليكون ذلك دالا على نبوته. القرآن الكريم - تفسير الطبري - تفسير سورة الجن - الآية 26. [ ص: 27] قال العلماء - رحمة الله عليهم -: لما تمدح سبحانه بعلم الغيب واستأثر به دون خلقه ، كان فيه دليل على أنه لا يعلم الغيب أحد سواه ، ثم استثنى من ارتضاه من الرسل ، فأودعهم ما شاء من غيبه بطريق الوحي إليهم ، وجعله معجزة لهم ودلالة صادقة على نبوتهم. وليس المنجم ومن ضاهاه ممن يضرب بالحصى وينظر في الكتب ويزجر بالطير ممن ارتضاه من رسول فيطلعه على ما يشاء من غيبه ، بل هو كافر بالله مفتر عليه بحدسه وتخمينه وكذبه.

عالم الغيب لا يظهر حِلم الرسول صلى

توكلوا على الله وثقوا به; فإنه يكفي ممن سواه. فإنه يسلك من بين يديه ومن خلفه رصدا يعني ملائكة يحفظونه عن أن يقرب منه شيطان; فيحفظ الوحي من استراق الشياطين والإلقاء إلى الكهنة. قال الضحاك: ما بعث الله نبيا إلا ومعه ملائكة يحرسونه من الشياطين عن أن يتشبهوا بصورة الملك ، فإذا جاءه شيطان في صورة الملك قالوا: هذا شيطان فاحذره. وإن جاءه الملك قالوا: هذا رسول ربك. وقال ابن عباس وابن زيد: رصدا أي حفظة يحفظون النبي - صلى الله عليه وسلم - من أمامه وورائه من الجن والشياطين. عالم الغيب لا يظهر شيئ. قال قتادة وسعيد بن المسيب: هم أربعة من الملائكة حفظة. وقال الفراء: المراد جبريل كان إذا نزل بالرسالة نزلت معه ملائكة يحفظونه من أن تستمع الجن الوحي ، فيلقوه إلى كهنتهم ، فيسبقوا الرسول. وقال السدي: رصدا أي حفظة يحفظون الوحي ، فما جاء من عند الله قالوا: إنه من عند الله ، وما ألقاه الشيطان قالوا: إنه من الشيطان. و ( رصدا) نصب على المفعول. وفي الصحاح: والرصد القوم يرصدون كالحرس ، يستوي فيه الواحد والجمع والمذكر والمؤنث وربما قالوا أرصادا. والراصد للشيء الراقب له; يقال: رصده يرصده رصدا ورصدا. والترصد الترقب والمرصد موضع الرصد.

عالم الغيب لا يظهر كيس الحمل

وقال المستشار العلمي لمفتي الجمهورية: يا من تقول أنا أدعوا الله ولم يستجب لدعائي.. هل أنت تعلم الغيب وماذا فعل الله بدعائك. تفسير عالم الغيب فلا يظهر على غيبه أحدا [ الجن: 26]. اعلم أن الله تعالى يستجيب لك بثلاث خطوات أو ثلاث حاجات متبادلة: إما أن يعجل لك الدعاء بمعنى يستجيب لك فورا ، وإما أن يؤخره في الوقت الذي يريده، وإما أن يعطيه لك في الآخرة مقابله ثواب أو يرفع عنك به من البلاء والشده بقدر الدعاء. وتابع الدكتور مجدي عاشور: "بمعنى أنك كنت ستتعرض لبلاء شديد مثلا والعياذ بالله، ثم تدعوا ويقول لك الله ومن أجل دعائك أنا لم أحقق ما دعوتني من أجله ولكن سأرفع عنك ما كان مقدرا من بلاء لك عندي بمعنى أن الله تعالى يرفع القضاء بالدعاء. وعليه فلا تتعجلوا في رؤية آثار الدعاء لأنكم لم تعلموا كيف يسير الله الأمور، ولذلك قال سيدنا النبي صلى الله عليه وسلم مازال القضاء والدعاء يعتركان في السماء الدنيا فأيهما غلب ينزل.. الدعاء يرفع القضاء نقول إن الدعاء له آداب وشروط سنتحدث عنها في الحلقة القادمة إن شاء الله".

وهكذا رواه الضحاك والسدي ويزيد بن أبي حبيب. وقال عبد الرزاق عن معمر عن قتادة "ليعلم أن قد أبلغوا رسالات ربهم" قال: ليعلم نبي الله أن الرسل قد بلغت عن الله وأن الملائكة حفظتها ودفعت عنها, وكذا رواه سعيد بن أبي عروبة عن قتادة واختاره ابن جرير, وقيل غير ذلك كما رواه العوفي عن ابن عباس في قوله: "إلا من ارتضى من رسول فإنه يسلك من بين يديه ومن خلفه رصداً" قال: هي معقبات من الملائكة يحفظون النبي صلى الله عليه وسلم من الشيطان حتى يتبين الذي أرسل به إليهم, وذلك حين يقول ليعلم أهل الشرك أن قد أبلغوا رسالات ربهم. وكذا قال ابن أبي نجيح عن مجاهد "ليعلم أن قد أبلغوا رسالات ربهم" قال: ليعلم من كذب الرسل أن قد أبلغوا رسالات ربهم, وفي هذا نظر. عالم الغيب لا يظهر حِلم الرسول صلى. وقال البغوي: قرأ يعقوب "ليعلم" بالضم أي ليعلم الناس أن الرسل قد أبلغوا. ويحتمل أن يكون الضمير عائداً إلى الله عز وجل, وهو قول حكاه ابن الجوزي في زاد المسير, ويكون المعنى في ذلك أنه يحفظ رسله بملائكته ليتمكنوا من أداء رسالاته ويحفظ ما ينزله إليهم من الوحي ليعلم أن قد أبلغوا رسالات ربهم, ويكون ذلك كقوله تعالى: "وما جعلنا القبلة التي كنت عليها إلا لنعلم من يتبع الرسول ممن ينقلب على عقبيه" وكقوله تعالى: "وليعلمن الله الذين آمنوا وليعلمن المنافقين" إلى أمثال ذلك من العلم بأنه تعالى يعلم الأشياء قبل كونها قطعاً لا محالة, ولهذا قال بعد هذا "وأحاط بما لديهم وأحصى كل شيء عدداً".