[٢] صفات هشام بن الداخل ومناقبه كان هشام بن عبد الرحمن الداخل عالِمًا مُحِبًّا للعلم، وقد أحاط نفسه -رحمه الله- بالفقهاء، وكان له أثر عظيم في بلاد الأندلس بنشره اللغة العربية فيها، وقد أخذ ذلك منه مجهودًا وافرًا وعظيمًا، حتى أصبحت اللغة العربية تُدرَّس في معاهد اليهود والنصارى داخل أرض الأندلس، ومن أبرز التغيرات الجوهرية التي تمَّت في بلاد الأندلس في عهد هشام بن عبد الرحمن انتشار المذهب المالكي فيها، وقد كانت البلاد من قبل ذلك على مذهب الإمام الأوزاعي -رحمه الله-، وقد وصفه ابن عذاري بأنه كان أبيض مشربًا بحمرة، في عينيه حول. [٣] وقال عنه صاحب كتاب أخبار مجموعة في فتح الأندلس: "كان خيرًا فاضلًا جوادًا، وكريمًا، حسن السيرة، وكان ينفق الأموال الطائلة في افتداء أسرى المسلمين، حتى لم يبق في عهده منهم في قبضة العدو أحد، وإن مات أحد جنوده في القتال، ألحق أولاده بديوان الأرزاق"، وقد بلغت سيرته الإمام مالك بن أنس، فقال: "وددت أن الله زيّن موسمنا به"، وكان نقش خاتمه "بالله يثق عبده هشام وبه يعتصم"، وقد توفي في صفر 180هـ / إبريل 796م، فكانت خلافته سبع سنين وتسعة أشهر. [٤] توفّي -رحمه الله- وهو ابنُ تسع وثلاثين سنة وأربعة أشهر وأربعة أيام، ودُفِنَ في القصر، وصلَّى عليه ابنه الحكم، رحم الله هشام بن عبد الرحمن الداخل.
صار عبد الرّحمن أميرًا للأندلس، و استقرّ بقرطبة ، و بنى بها المسجد الجامع و القصر العظيمين، و وفد عليه جماعة من أهل بيته من المشرق، و استعاد مجد الأمويين الذي سُلِب، و سلطانهم الذي نُهِب. قال ابن حيان: "ألفى الداخلُ الأندلسَ ثغرا قاصيا غُفلاً من حِلية المُلك عاطلاً، فأرهف أهلها بالطاعة السلطانية، و حنّكهم بالسيرة الملوكية ، و أخذهم بالآداب فأكسبهم عمّا قليل المروءة، و أقامهم على الطريقة، و بدأ فدوّن الدواوين، و رفع الأواوين، و فرض الأعطية، و عقد الألوية، و جنّد الأجناد، و رفع العماد، و أوثق الأوتاد، فأقام للملك آلته، و أخذ للسلطان عدّته، فاعترف له بذلك أكابر الملوك و حذروا جانبه، و تحاموا حَوْزته، و لم يلبث أن دانت له بلاد الأندلس، و استقلّ له الأمر فيها. " يقول المقرّي: "و كان الداخل يقعد للعامة ، و يسمع منهم، و ينظر بنفسه فيما بينهم، و يتوصّل إليه من أراده من الناس، فيصل الضعيف منهم إلى رفع ظلامته إليه دون مشقّة، و كان من عادته أن يأكل معه من أصحابه من أدرك وقت طعامه، و من وافق ذلك من طلاب الحوائج أكل معه. " دخل عبد الرحمن الأندلسَ فكان لها ضياءً و نورًا، و بدايةً لعصر بهيجٍ زاخرٍ بالعطاء و الرّخاء، عامرٍ بالخيرات، فأخرجت أرض الأندلس الخصبةُ السخيةُ من جوفها الثمار و اكتست بالورد و الأنهار و تزيّنت للعالمين فسلبت العقول و الأبصار.