إن يمسسكم قرح فقد مس القوم قرح مثله

( ولا تهنوا ولا تحزنوا وأنتم الأعلون إن كنتم مؤمنين ( 139) إن يمسسكم قرح فقد مس القوم قرح مثله وتلك الأيام نداولها بين الناس وليعلم الله الذين آمنوا ويتخذ منكم شهداء والله لا يحب الظالمين ( 140)) قوله تعالى: ( ولا تهنوا ولا تحزنوا) هذا حث لأصحاب النبي صلى الله عليه وسلم على الجهاد ، زيادة على ما أصابهم من القتل والجرح يوم أحد يقول الله تعالى: ولا تهنوا أي: لا تضعفوا ولا تجبنوا عن جهاد أعدائكم بما نالكم من القتل والجرح ، وكان قد قتل يومئذ من المهاجرين خمسة منهم: حمزة بن عبد المطلب ومصعب بن عمير ، وقتل من الأنصار سبعون رجلا.

(150) قوله تعالى: {إِن يَمْسَسْكُمْ قَرْحٌ فَقَدْ مَسَّ الْقَوْمَ قَرْحٌ مِّثْلُهُ...} الآية 140 - الموقع الرسمي للشيخ أ. د. خالد السبت

فلذلك قال سلفهم: إنّ الله يعلم في الأزل أنّ القمر سيخسف في سنتنا هذه في بلد كذا ساعة كذا ، فعند خسوف القمر كذلك عَلِم اللَّه أنَّه خسف بذلك العلم الأوّل لأنّ ذلك العلم مجموع من كون الفعل لم يحصل في الأزل ، ومن كونه يحصل في وقته فيما لا يزال ، قالوا: ولا يقاس ذلك على علمنا حين نعلم أنّ القمر سيخسف بمقتضى الحساب ثمّ عند خسوفه نعلم أنَّه تحقّق خسوفه بعلم جديد ، لأنّ احتياجنا لعلم متجدّد إنَّما هو لطريان الغفلة عن الأول. إن يمسسكم قرح فقد مس القوم قرح مثله. وقال بعض المعتزلة مثل جَهْم بن صَفْوَان وهِشام بن الحَكم: إنّ الله عالم في الأزل بالكلّيات والحقائق ، وأمَّا علمه بالجزئيات والأشخاص والأحوال فحاصل بعد حدوثها لأنّ هذا العلم من التصديقات ، ويلزمه عَدم سبق العلم. وقال أبو الحُسين البصري من المعتزلة ، رادّاً على السلف: لا يجوز أن يكون علم الله بأنّ القمر سيخسف عين علمه بعد ذلك بأنَّه خسف لأمور ثلاثة: الأوّل التغايُر بينهما في الحقيقة لأنّ حقيقة كونه سيقع غيرُ حقيقة كونه وقع ، فالعلمُ بأحدهما يغاير العلم بالآخر ، لأنّ اختلاف المتعلّقين يستدعي اختلاف العالم بهما. الثَّاني التغاير بينهما في الشرط فإنّ شرط العلم بكون الشيء سيقع هو عدم الوقوع ، وشرط العلم بكونه وقَع الوقوعُ ، فلو كان العلمان شيئاً واحداً لم يختلف شرطاهُما.

وقد ذكر ذلك الشَّيخ عبد الحكيم في « الرسالة الخاقانية » الَّتي جعلها لِتحقيق علم الله تعالى غير منسوب لقائل ، بل عبّر عنه بقيل ، وقد رأيت التفتزاني جرى على ذلك في « حاشية الكشّاف » في هذه الآية فلعل الشَّيخ عبد الحكيم نسي أن ينسبه. وتأويل الآية على اختلاف المذاهب: فأمَّا الّذين أبو إطلاق الحدوث على تعلّق العلم فقالوا في قوله: { وليعلم الله الذين آمنوا} أطلق العلم على لازمه وهو ثبوت المعلوم أي تميّزه على طريقة الكناية لأنَّها كإثبات الشيء بالبرهان ، وهذا كقول إياس بن قبيصة الطائي: وأقبلت والخطيّ يخطِر بينا *** لأَعْلَمَ مَن جَبَانَها مِنْ شجاعها أي ليظهر الجبان والشُّجاع فأطلق العلم وأريد ملزومه. ومنهم من جعل قوله: { وليعلم الله} تمثيلاً أي فعل ذلك فِعْلَ من يريد أن يعلم وإليه مال في « الكشاف » ، ومنهم من قال: العلّة هي تعلّق علم الله بالحادث وهو تعلّق حادث ، أي ليعلم الله الَّذين آمنوا موجودين. ان يمسسكم قرح فقد مس. قاله البيضاوي والتفتزاني في « حاشية الكشّاف ». وإن كان المراد من قوله: { الذين آمنوا} ظاهرَهُ أي ليعلم من اتَّصف بالإيمان ، تعيّن التأويل في هذه الآية لاَ لأجل لزوم حدوث علم الله تعالى ، بل لأنّ علم الله بالمؤمنين من أهل أُحُد حاصل من قبلِ أن يمسّهم القرح ، فقال الزجاج: أراد العِلمَ الَّذي يترتّب عليه الجزاء وهو ثباتهم على الإيمان ، وعدم تزلزلهم في حال الشدّة ، وأشار التفتزاني إلى أنّ تأويل صاحب « الكشاف » ذلك بأنَّه وارد مورد التمثيل ، ناظر إلى كون العلم بالمؤمنين حاصلاً من قبل ، لا لأجل التحرّز عن لزوم حدوث العلم.