ذلك ادنى ان يعرفن

فهذا الذي ذكرناه يُعدّ قرينة على ما استظهرناه من أنَّ المُراد من قوله تعالى ﴿يُعْرَفْنَ﴾ هو أنَّهُنَّ يُعرفن بالصّلاح والسّتر والعفاف فيتميّزْنَ عن الفاسقات المبتذلات وهو ما ينتج غالبًا عدم تعرّض الفاسقين لهنَّ بالأذى. وثَمَّة قرينة أخرى يُمكن أن تُساهم في تأكيد ما استظهرناه وهو أنَّ الآية المباركة وقعت في سياق آيةٍ سبقتها كانت متصدّية للتشنيع على من يؤذي المؤمنين والمؤمنات وذلك بإطلاقه يشمل العبيد المؤمنين والإماء المؤمنات. قال تعالى ﴿وَالَّذِينَ يُؤْذُونَ الْمُؤْمِنِينَ وَالْمُؤْمِنَاتِ بِغَيْرِ مَا اكْتَسَبُوا فَقَدِ احْتَمَلُوا بُهْتَانًا وَإِثْمًا مُّبِينًا﴾ (8). ذلك ادني ان يعرفن فلا يؤذين. الإشكال غير وارد على كلِّ حال: ثُمَّ أنَّه لو التزمنا بأنَّ المُراد من الآية المُباركة هو ما استظهره بعض المفسّرين كالفيض الكاشاني(9) رحمه الله لما كان الإشكال الذي ذكرتموه واردًا، إذ أنَّ الآية بناءً على هذا الاستظهار وإن كانت متصدّية لمخاطبة نساء المؤمنين من الحرائر إلا أنَّ ذلك لا يعني الإذن للإماء بالتّبرُّج، كما لا يعني الإذن للفاسقين بالتّعرُّض للإماء والإيذاء لهنّ. فقد تصدّى القرآن الكريم في آياتٍ آخرى لمخاطبة عموم النّساء المُؤمنات بالعفاف والسّتر.

  1. معنى قوله تعالى: ﴿ذَلِكَ أَدْنَى أَن يُعْرَفْنَ فَلاَ يُؤْذَيْنَ ..﴾ | مركز الهدى للدراسات الإسلامية

معنى قوله تعالى: ﴿ذَلِكَ أَدْنَى أَن يُعْرَفْنَ فَلاَ يُؤْذَيْنَ ..﴾ | مركز الهدى للدراسات الإسلامية

‏ الوجه الخامس‏:‏ هذا التعليل ‏ {‏ذلك أدنى أن يعرفن فلا يؤذين‏} ‏ ‏[‏الأحزاب‏:‏ 59‏]‏‏. ‏ راجع إلى الإدناء، المفهوم من قوله‏:‏ ‏{‏يدنين‏}‏ ‏[‏الأحزاب‏:‏ 59‏]‏‏. معنى قوله تعالى: ﴿ذَلِكَ أَدْنَى أَن يُعْرَفْنَ فَلاَ يُؤْذَيْنَ ..﴾ | مركز الهدى للدراسات الإسلامية. ‏ وهو حكم بالأولى على وجوب ستر الوجه؛ لأن ستره علامة على معرفة العفيفات فلا يؤذين، فهذه الآية نص على ستر الوجه وتغطيته، ولأن من تستر وجهها لا يطمع فيها طامع بالكشف عن باقي بدنها وعورتها المغلظة، فصار في كشف الحجاب عن الوجه تعريض لها بالأذى من السفهاء، فدل هذا على التعليل على فرض الحجاب على نساء المؤمنين لجميع البدن والزينة بالجلباب، وذلك حتى يعرفن بالعفة، وأنهن مستورات محجبات بعيدات عن أهل الرّي والخنا، وحتى لا يفتتن ولا يفتن غيرهن فلا يؤذين‏. ‏ ومعلوم أن المرأة إذا كانت غاية في الستر والانضمام، لم يقدم عليها من في قلبه مرض، وكّـفَّت عنها الأعين الخائنة، بخلاف المتبرجة المنتشرة الباذلة لوجهها، فإنها مطموع فيها ‏. ‏ واعلم أن الستر بالجلباب، وهو ستر النساء العفيفات، يقتضي ـ كما تقدم في صفة لبسه ـ أن يكون الجلباب على الرأس لا على الكتفين، ويقتضي أن لا يكون الجلباب ـ العباءة ـ زينة في نفسه، ولا مضافًا إليه ما يزينه من نقش أو تطريز، ولا ما يلفت النظر إليه، وإلا كان نقضًا لمقصود الشارع من إخفاء البدن والزينة وتغطيتها عن عيون الأجانب عنها‏.

(وَكَانَ اللَّهُ غَفُورًا رَحِيمًا) لما بدر منكم سابقاً من عدم تحجّب نسائكم بهذه الطريقة. والله سبحانه وتعالى غفور بالشيء الماضي رحيم بكم في توجيهه لكم بأن تعملوا هذا.