بكى صاحبي لما رأى الدرب دونه

وفي ذلك يقول: بكى صاحبي لما رأى الدرب دونه وأيقن أنا لاحقان بقيصرا فقلت له: لا تبك عينك إنما نحاول ملكاً أو نموت فنعذرا ولما وصل إلى قيصر أكرم وفادته وأمده بجيش كثيف، فيه جماعة من أبناء الملوك، واندس في قصر قيصر على أمرئ القيس بالوشايات، فاهدى قيصر أمرأ القيس حلة مسمومة منسوجة بالذهب، وكتب إليه «إني أرسلت إليك حلتي التي كنت ألبسها، تكرمة لك، فإذا وصلت إليك فألبسها باليمن والبركة، وأكتب إلى بخبرك من منزل إلى منزل». فلما وصلت الحلة إلى امرئ القيس لبسها واشتد سروره بها، فسرى في جسده السم الزعاف وتساقط جلده من أثر السلم، ولذلك سمي «ذا القروح» وقال امرؤ القيس في ذلك: لقد طمح الطماح من بعد أرضه ليلبسني مما يلبس أبؤسا فلو أنها نفس تموت جميعه ولكنها نفس تساقط أنفسا ويقول ابن الكلبي: فلما وصل إلى بلدة من بلاد الروم تدعى «أنقرة» احتضر بها ورأى قبراً دفنت فيه امرأة من أبناء الملوك فقال: أجارتنا أن الخطوب تنوب وإني أقيم ما أقام عسيب أجارتنا أنا غريبان هاهنا وكل غريب للغريب نسيب وزعم بعض المؤرخين أن اسم «عسيب» الذي ورد في البيت الأول جبل بالقرب من أنقرة، في حين ذهب آخرون إلى أنه الجبل المعروف بهذا الاسم في نجد.

الوهم السمعي وسواه – مجلة الشبكة العراقية,Imn Magazine

امرؤ القيس هو امرؤ القيس بن حجر بن الحارث بن عمرو الكندي، من قبيلة كندة اليمنية، وأمه أخت كليب ومهلهل ابني ربيعة من عدنان وكان أبوه ملكاً على بني أسد، فساءت سياسته فيهم واستبد بهم فثاروا عليه وقتلوه، وقضى أمرؤ القيس بقية حياته بين ثأر لأبيه وعمل على استرداد ملكه. واختلف في تاريخ وفاته، فذكر بعض المؤرخين أنه توفي عام 540م وذهب فريق آخر إلى أنه توفي عام 530. ويكنى أمرؤ القيس على ما ذكر أبو عبيدة «أبا الحارث» وقال غيره يكنى «أبا وهب» وكان يقال له «الملك الضليل» وقيل أيضاً «ذا القروح». وإياه عنى الفرزق الشاعر الأموي بقوله: وهب القصائد لي النوابع اذ مضوا وأبو يزيد وذو القروح وجرول ولما ترعرع امرؤ القيس أخذ يقول الشعر، وقيل إن المهلهل خاله لقنه هذا الفن، فبرز فيه على شعراء عصره، وكان مع صغر سنه يحب اللهو، ويستتبع صعاليك العرب، ويتنقل بين أحيائها وقيل إن أول شعر نظمه قوله: أذود القوافي عني زيادا زياد علام جريء جوادا فبلغ قوله والده، فغضب عليه لقوله الشعر - وكانت الملكوك تأنف من ذلك ودعا مولى له يقال ربيعة، فقال له: «اقتل امرؤ القيس، وائتني بعينية» فذبح جوذرا وأتاه بعينيه فندم حجر على ذلك، فقال المولى: «أبيت اللعن وإني لم أقتله»، قال: فأئتني به.

لعلّ من أهمّ المحطّات التي ينبغي للمسلمين أن يطيلوا الوقوف عندها في شهر الله محرّم، ذكرى الاندحار التاريخي لمرحلة من مراحل الفرعونية التي بلغت في الفساد والظّلم والعلوّ مبلغا قلّ أن يعرف تاريخ البشرية له نظيرا.. محطّة يفترض أن تكون مهمّة وفارقة ومؤثّرة في سيرورة الأمّة المسلمة التي قصّ عليها خالقها -سبحانه- في أكثر من موضع من كتابه قصّة موسى -عليه السّلام- وقومه مع فرعون وملئه؛ قصّة من أهمّ قصص الصّراع بين الحقّ والباطل، استغرقت أحداثها عقودا من الزّمان، واستحقّت أن تخلّد في آيات أصدق وأحكم كتاب نزل لإقامة صرح العدل وهدم صروح الباطل.