بوابة الشعراء - بدر شاكر السياب - انشودة المطر

عَيْنَاكِ سَيْدَتْيِ هِيَ سَرِبُ مِنْ طِيُورِ السِحرِ مُتَرَامِيةً تَسوُغُ الهَنَاءْ طُوقٌ وقِنْطَارُ هِيَ نَقْعُ صَفَاءِ الجَدَاوِلُ مَسْتَرسِلةٌ تَصولُ فِيْ حَنِيِنِ البُوحِ صَمْتُ واصِرَارُ هِيَ اسِتْمَاتَتُ الخَرِيِفِ فِيْ الرِيحِ مُتَصَامِدةٌ تُثِيْرُ فِيْ غَورِيْهَما الشُروُقُ بَعْد قِحْطٍ واِدْحارُ هِيَ سَمْفُونِيهُ الشَجَنِ بِالعْزفِ مُتَنَاغِمةٌ تَشْرَحُ القُلوبَ طَربَاً واِقْلاعُ هِيَ بُحُورُ الدُجَىْ سَاعَةَ الغُرْوبِ سَاحَرةً تَطْمِسُ للعَاشِقِ كُلَ سَهَدِ وَازِهْاقُ هِيَ اسِتْمطَارُ السَعَادْةِ فِيْ الضِيِقِ مُتَراقِصةٌ تَمْحُوُ العَنْىَ وأرِقِ السْهرِ وانْتِظَارُ

عيناك غابتا نخيل ساعة السحر الاسود

في كل قطرة من المطر حمراءُ أو صفراء من أجنَّة الزَّهَرْ. وكلّ دمعةٍ من الجياع والعراة وكلّ قطرة تراق من دم العبيدْ فهي ابتسامٌ في انتظار مبسم جديد أو حُلمةٌ تورَّدتْ على فم الوليدْ في عالم الغد الفتيّ ، واهب الحياة! مطر... سيُعشبُ العراق بالمطر... " أصيح بالخليج: " يا خليج.. يا واهب اللؤلؤ ، والمحار ، والردى! " فيرجع الصدى كأنَّه النشيج: " يا خليج يا واهب المحار والردى. " وينثر الخليج من هِباته الكثارْ ، على الرمال ،: رغوه الأُجاجَ ، والمحار وما تبقّى من عظام بائسٍ غريق من المهاجرين ظلّ يشرب الردى من لجَّة الخليج والقرار ، وفي العراق ألف أفعى تشرب الرَّحيقْ من زهرة يربُّها الفرات بالنَّدى. عيناك غابتا نخيل ساعة السحر في. وأسمع الصدى يرنّ في الخليج " مطر.. في كلّ قطرة من المطرْ حمراء أو صفراء من أجنَّةِ الزَّهَرْ. وكلّ دمعة من الجياع والعراة وكلّ قطرةٍ تراق من دم العبيدْ فهي ابتسامٌ في انتظار مبسمٍ جديد أو حُلمةٌ تورَّدت على فم الوليدْ في عالم الغد الفتيّ ، واهب الحياة. "

عيناك غابتا نخيل ساعة السحر الاسمر

واجيب مراعاة لمشاعره الطفولية إنها ستعود, ولكنها هناك ترقد حيث يتشرب قبرها قطرات المطر بالدموع و الغيوم التي تسح وتنهمر. تحليل القصيدة أولاً: المضمون: يبدأ الشاعر بالحديث عن امرأة قد تكون البصرة أو جيكور أو العراق أو امرأة يقصدها ، مشبهاً عينيها بغابتي نخيل هجم عليهما الليل ، ولم يكتف بهذا التشبيه ، بل أردف يشبهما بشرفتين راح القمر ينسحب عنهما ، فيتركهما غارقتين في سواد الليل ، ويدعي أن هاتين العينين عندما تلمعان أو تبتسمان ، فإن الشجر العادي يكتسب خضرة ، وتتراقص الأضواء تشبه الأقمار تنعكس على صفحة نهر ينساب فيه زورق يحذف صاحبه برفق وسط الليل ، وكأن النجوم تخفق في محجري عينها. عيناك غابتا نخيل ساعة السحر الاسود. وهاتان العينان غارقتان في حزن واضح ـ حزنهما يشبه حزن البحر حين يغمره المساء. وهذا البحر ـ العينان ـ يحوي متناقضات دفء الشتاء ـ ذبول الخريف ـ وصور الموت والميلاد والعتمة والضياء! كل هذه الصور ـ تبعث في نفس الشاعر شعوراً بضرورة البكاء ، و شعوراً آخر بالنشوة العاتية التي ترتفع روحه من خلالها إلى عناق السماء ، وهذه النشوة شبيهة بنشوة الطفل عندما يبعث فيه القمر خوفاً غامضاً ، وهو في هذه الأثناء يستشعر أمراً غريباً يتمثل في أن السحب تبتلع الغيوم المحملة بالمطر وتذوب فيها.

عيناك غابتا نخيل ساعة السحر في

ومقلتاكِ بي تطيفان مع المطرْ وعبر أمواج الخليج تمسح البروقْ سواحلَ العراق بالنجوم والمحارْ، كأنها تهمّ بالشروقْ فيسحب الليل عليها من دمٍ دثارْ. أصيح بالخليج: (يا خليجْ يا واهب اللؤلؤ، والمحار، والرّدى! )

ومقلتاك بي تطيفان مع المطر وعبر أمواج الخليج تمسح البروقْ سواحلَ العراق بالنجوم والمحار، كأنها تهمّ بالشروق فيسحب الليل عليها من دمٍ دثارْ. أَصيح بالخليج: " يا خليجْ يا واهب اللؤلؤ، والمحار، والرّدى! " فيرجعُ الصّدى كأنّه النشيجْ: " يا خليج يا واهب المحار والردى.. " أكاد أسمع العراق يذْخرُ الرعودْ ويخزن البروق في السّهول والجبالْ، حتى إِذا ما فضَّ عنها ختمها الرّجالْ لم تترك الرياح من ثمودْ في الوادِ من أثرْ. أكاد أسمع النخيل يشربُ المطر وأسمع القرى تئنّ، والمهاجرين يصارعون بالمجاذيف وبالقلوع، عواصف الخليج، والرعود، منشدين: " مطر... وفي العراق جوعْ وينثر الغلالَ فيه موسم الحصادْ لتشبع الغربان والجراد وتطحن الشّوان والحجر رحىً تدور في الحقول... عيناك غابتا نخيل ساعه السحر. حولها بشرْ وكم ذرفنا ليلة الرحيل، من دموعْ ثم اعتللنا – خوف أن نلامَ – بالمطر... ومنذ أنْ كنَّا صغاراً، كانت السماء تغيمُ في الشتاء ويهطل المطر، وكلَّ عام – حين يعشب الثرى – نجوعْ ما مرَّ عامٌ والعراق ليس فيه جوعْ. في كل قطرة من المطر حمراءُ أو صفراء من أجنَّة الزَّهَرْ. وكلّ دمعةٍ من الجياع والعراة وكلّ قطرة تراق من دم العبيدْ فهي ابتسامٌ في انتظار مبسم جديد أو حُلمةٌ تورَّدتْ على فم الوليدْ في عالم الغد الفتيّ، واهب الحياة!