ص1237 - كتاب تفسير القرآن الكريم اللهيميد من الفاتحة إلى النساء - وكأين من نبي قاتل معه ربيون كثير فما وهنوا لما أصابهم في سبيل الله وما ضعفوا وما استكانوا والله يحب الصابرين - المكتبة الشاملة

لقد طلب منّا المولى أن نستعين بالصّبر على مصائبنا ومصاعب الحياة الّتي نواجهها، وهو يدرك أنّ الأمر ليس بالسّهل علينا، ولكنّه قال لنا: { يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا اسْتَعِينُوا بِالصَّبْرِ}، وحمل البشارة للصّابرين: { وَبَشِّرِ الصَّابِرِينَ}، ووعدنا بأحسن الجزاء على صبرنا: { إِنَّمَا يُوَفَّى الصَّابِرُونَ أَجْرَهُمْ بِغَيْرِ حِسَابٍ}، والأهمّ من كلّ ذلك، أنّه وعد الصّابرين بأن يكون معهم، لا يخذلهم، ولا يتركهم وحيدين، فقال: { إِنَّ اللهَ مَعَ الصَّابِرِينَ}... أفلا نثق بالله وبوعده؟! إنّ الله لم يخذل أيّوب(ع) عندما هجمت عليه كلّ مصائب الحياة، وحمل ما لا يستطيع أحد أن يحمله، فكان عاقبة صبره أن جزاه الله الجزاء الأوفى، وأكرمه أيّما إكرام، وأحسن إليه، وأعطاه أفضل العطاء وأنعم عليه. &*&*إن الله مع الصابرين اذا صبروا *&*&. وذاك يعقوب الّذي فقد حبيبه يوسف، يوكل أمره إلى الله، ويلوذ بصبر المؤمنين ويقينهم، فيفرّج الله عنه ولو بعد طول انتظار، ويقرّ عينه بعودة ولده معزّزًا مكرّمًا. والتّاريخ والحياة من حولنا يمتلئان بالشّواهد على أهميّة الصّبر، وعلى ما يحصل عليه الإنسان من بركاته ونعمه. الصّبر ثمّ الصّبر؛ إنّه مفتاح الفرج حقًّا وصدقًا، مهما كان ما نواجهه، ومهما عظمت الأمور في أعيننا، ولنتّكل على الله، ولنثق أنّ بإمكانه أن يجد لنا مخرجًا، وأن يفرّج عنّا ويرحمنا برحمته: { الَّذِينَ صَبَرُوا وَعَلَى رَبِّهِمْ يَتَوَكَّلُونَ}، { وَعَلَى اللهِ فَلْيَتَوَكَّلْ الْمُتَوَكِّلُونَ}.

&Amp;*&Amp;*إن الله مع الصابرين اذا صبروا *&Amp;*&Amp;

وقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: إذا أحب الله قوما ابتلاهم فمن رضي وصبر فله الرضا ومن سخط فله السخط. ان الله مع الصابرين اذا صبروا. الصدمة الأولى لكننا ونحن نتأمل آيات الصبر في القرآن يلفت نظرنا هذا الأمر اللطيف من الخالق وهو يأمر عبده محمدا صلى الله عليه وسلم بقوله فاصبر صبرا جميلاً. والصبر الجميل يكون عند الصدمة الأولى فلا سخط معه ولا جزع، والصبر الجميل هو الذي يبتغي به العبد وجه الله، لا تحرجاً أن يقول الناس جزع، ولا أملاً أن يقولوا صَبَر، وإنما يصبر ثقة بالله تعالى وإيمانا بقضائه وقدره، مترفعا عن الشكوى إلا لله، فالصبر الجميل أن يكون صاحب المصيبة في القوم ولا يُعرف من هو. وقال رسول الله صلى الله عليه وسلم عجباً لأمر المؤمن كله له خير وليس ذلك لأحد إلا للمؤمن، إن أصابته سراء شكر فكان خيراً له وإن أصابته ضراء صبر فكان خيراً له (رواه مسلم). وهناك من يظن أن الدعاء والتضرع لله لرفع الضر يتنافى أو يتعارض مع الصبر، وهذا خطأ لأن الله تعالى يرفع الضر بالدعاء وكان أيوب عليه السلام يدعو ربه: وأيوب إذا نادى ربه أني مسني الضر وأنت أرحم الراحمين ومع ذلك فقد وصفه الله تعالى بقوله: إنا وجدناه صابراً فهذا يعني أن الدعاء لا يتنافى مع الصبر.

ومن قرأ (قاتل معه) فالمعنى: وكم من نبي قاتل معه العدد الكثير من أصحابه فأصابهم من عدوهم قرح فما وهنوا، لأن الذي أصابهم إنما هو في سبيل الله وطاعته وإقامة دينه ونصرة رسوله، فكذلك كان ينبغي أن تفعلوا مثل ذلك يا أمة محمد. وحجة هذه القراءة أن المراد من هذه الآية ترغيب الذين كانوا مع النبي -صلى الله عليه وسلم- في القتال، فوجب أن يكون المذكور هو القتال.