من اتخذ إلهه هواه

لكنّنا سنعرض لثلاثة من الآثار والنّتائج المتوخّاة من هذه الفريضة، إن أَحسنّا الاستفادة منها: محطّة لبناء الذّات على مستوى الذّات، فإنَّ شهر رمضان هو شهرٌ لبناء الإنسان الحرّ الّذي يمتلك قرار نفسه، فهو يقرِّر لها، ويتحكَّم بمسارها، ويحدِّد لها متى تأكل وتشرب وتمارس لذَّاتها وإلى أين تسير وكيف... القرآن الكريم - تفسير الطبري - تفسير سورة الجاثية - الآية 23. وهذا بخلاف النظريّة التربويّة الّتي باتت تسود في واقعنا، والتي ترى في الاستسلام لسطوة الغريزة حريّة، وأنّك كلَّما سعيت لتلبية شهواتك تكون حرّاً، وأنّ الدّين عندما يدعوك إلى ضبطها، فإنّه يقيِّد حرّيتك ويخلّ بها. ولكنَّ الحريَّة، ليست في أن تسعى وراء رغباتك وملذَّاتك، أو أن تكون أسيراً لها وتكون هي من تقودك، الحريَّة أن تنعتق منها، أن تتفوَّق عليها، أن تتحكَّم بها، أن تضبطها. للأسف، لقد بتنا نعيش في عصرٍ وصل اللُّهاث خلف الغرائز والشَّهوات إلى مستويات غير مسبوقة، وما هو إلا نتيجة عبوديَّة لها، وهو تأليهٌ من نوعٍ آخر: {أَرَأَيْتَ مَنِ اتَّخَذَ إِلَهَهُ هَوَاهُ}. إنَّ الصيام في شهر رمضان يوفِّر لك الحريَّة والانعتاق من أسر الشَّهوات، وضبط الملذَّات، وعدم ارتكاب المحرَّمات، كي تقوى إرادتك، وتمسك بقرار نفسك وتلجمها في أفضل ورشة تدريب تدوم لباقي أيّام السنة.

القرآن الكريم - تفسير الطبري - تفسير سورة الجاثية - الآية 23

#أبو_الهيثم #مع_القرآن 17 0 48, 584

أَفَرَأَيْتَ مَنِ اتَّخَذَ إِلَهَهُ هَوَاهُ وَأَضَلَّهُ اللَّهُ عَلَى عِلْمٍ [الجاثية:23] الله أضله على علم لأنه لما أراد أن يخلق الخلق نظر إلى الإنسان وعرف هل هو من أهل الطاعة والعبادة أو من أهل المعصية والكفر، ومن ثم كتب كتاب المقادير، فهذا علم الله أنه لا يمكن أن يستقيم أو يعبد الله بحال من الأحوال، لا يعبد إلا هواه، فكتب ذلك عليه فأضله الله على علم بأنه سيفجر ويفسق ويخرج عن الطاعة والعبادة. وَخَتَمَ عَلَى سَمْعِهِ [الجاثية:23] فهم لا يسمعون الحق أبداً ولا يستمعون، الرسول صلى الله عليه وسلم يقرأ القرآن حول الكعبة فيغلقون آذانهم ولا يسمعون، وهؤلاء موجودون في كل مكان وزمان. أفرأيت من اتخذ إلهه هواه. ختم الله على سمعه فما يسمع الحق والمعروف والخير، بل يسمع الباطل والشر، يسمع الأغاني ولا يسمع القرآن وما يتلى من كتاب الله. وَخَتَمَ عَلَى سَمْعِهِ وَقَلْبِهِ [الجاثية:23] أيضاً، القلب ما يعقل أبداً ولا يفكر ولا يهتدي إلى شيء، مختوم على القلب، وَجَعَلَ عَلَى بَصَرِهِ غِشَاوَةً [الجاثية:23] فما يشاهد الرشاد أبداً ولا الهداية في الطريق بحال من الأحوال. يقول تعالى: فَمَنْ يَهْدِيهِ مِنْ بَعْدِ اللَّهِ [الجاثية:23]؟ هل هناك أحد يستطيع؟ لا رسول الله ولا أبو بكر ولا بلال ولا فلان، ما يهتدي أبداً.