تفسير سورة المزمل السعدي

وليعلم أن مثقال ذرة من الخير في هذه الدار، يقابله أضعاف أضعاف الدنيا، وما عليها في دار النعيم المقيم، من اللذات والشهوات، وأن الخير والبر في هذه الدنيا، مادة الخير والبر في دار القرار، وبذره وأصله وأساسه، فواأسفاه على أوقات مضت في الغفلات، وواحسرتاه على أزمان تقضت بغير الأعمال الصالحات، وواغوثاه من قلوب لم يؤثر فيها وعظ بارئها، ولم ينجع فيها تشويق من هو أرحم بها منها ، فلك اللهم الحمد، وإليك المشتكى، وبك المستغاث، ولا حول ولا قوة إلا بك. { وَاسْتَغْفِرُوا اللَّهَ إِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ رَحِيمٌ} وفي الأمر بالاستغفار بعد الحث على أفعال الطاعة والخير، فائدة كبيرة، وذلك أن العبد ما يخلو من التقصير فيما أمر به، إما أن لا يفعله أصلا أو يفعله على وجه ناقص، فأمر بترقيع ذلك بالاستغفار، فإن العبد يذنب آناء الليل والنهار، فمتى لم يتغمده الله برحمته ومغفرته، فإنه هالك. تم تفسير سورة المزمل

تفسير سورة المزمل الآية 19 تفسير السعدي - القران للجميع

يَا أَيُّهَا الْمُزَّمِّلُ (1) المزمل: المتغطي بثيابه كالمدثر، وهذا الوصف حصل من رسول الله صلى الله عليه وسلم حين أكرمه الله برسالته، وابتدأه بإنزال [وحيه بإرسال] جبريل إليه، فرأى أمرا لم ير مثله، ولا يقدر على الثبات له إلا المرسلون، فاعتراه في ابتداء ذلك انزعاج حين رأى جبريل عليه السلام، فأتى إلى أهله، فقال: " زملوني زملوني " وهو ترعد فرائصه، ثم جاءه جبريل فقال: " اقرأ " فقال: " ما أنا بقارئ " فغطه حتى بلغ منه الجهد، وهو يعالجه على القراءة، فقرأ صلى الله عليه وسلم، ثم ألقى الله عليه الثبات، وتابع عليه الوحي، حتى بلغ مبلغا ما بلغه أحد من المرسلين. فسبحان الله، ما أعظم التفاوت بين ابتداء نبوته ونهايتها، ولهذا خاطبه الله بهذا الوصف الذي وجد منه في أول أمره. فأمره هنا بالعبادات المتعلقة به، ثم أمره بالصبر على أذية أعدائه ، ثم أمره بالصدع بأمره، وإعلان دعوتهم إلى الله، فأمره هنا بأشرف العبادات، وهي الصلاة، وبآكد الأوقات وأفضلها، وهو قيام الليل.

( رَبُّ الْمَشْرِقِ وَالْمَغْرِبِ) وهذا اسم جنس يشمل المشارق والمغارب [ كلها] ، فهو تعالى رب المشارق والمغارب، وما يكون فيها من الأنوار، وما هي مصلحة له من العالم العلوي والسفلي، فهو رب كل شيء وخالقه ومدبره. ( لا إِلَهَ إِلا هُوَ) أي: لا معبود إلا وجهه الأعلى، الذي يستحق أن يخص بالمحبة والتعظيم، والإجلال والتكريم، ولهذا قال: ( فَاتَّخِذْهُ وَكِيلا) أي: حافظا ومدبرا لأمورك كلها. فلما أمره الله بالصلاة خصوصا، وبالذكر عموما، وذلك يحصل للعبد ملكة قوية في تحمل الأثقال، وفعل الثقيل من الأعمال، أمره بالصبر على ما يقول فيه المعاندون له ويسبونه ويسبون ما جاء به، وأن يمضي على أمر الله، لا يصده عنه صاد، ولا يرده راد، وأن يهجرهم هجرا جميلا وهو الهجر حيث اقتضت المصلحة الهجر الذي لا أذية فيه، فيقابلهم بالهجر والإعراض عنهم وعن أقوالهم التي تؤذيه، وأمره بجدالهم بالتي هي أحسن. ( وَذَرْنِي وَالْمُكَذِّبِينَ) أي: اتركني وإياهم، فسأنتقم منهم، وإن أمهلتهم فلا أهملهم، وقوله: ( أُولِي النَّعْمَةِ) أي: أصحاب النعمة والغنى، الذين طغوا حين وسع الله عليهم من رزقه، وأمدهم من فضله كما قال تعالى: كَلا إِنَّ الإِنْسَانَ لَيَطْغَى * أَنْ رَآهُ اسْتَغْنَى.