اسم الله البصير

حظ المؤمن من اسم الله تعالى البصير: 1- دوام الحياء والمراقبة، قال تعالى: {.. وَكَفَى بِرَبِّكَ بِذُنُوبِ عِبَادِهِ خَبِيرًا بَصِيرًا} [الإسراء:17]، فمن عَلِم أن ربَّه بصيرٌ مُطلعٌ عليه، استحى أن يراه على معصية أو في ما لا يُحب، ومن عَلِم أنه يراه، أحسن عمله وعبادته وأخلص فيها لربِّه وخشع، وإذا داوم العبد على تلك المراقبة، بلغ أعلى مراتب الإيمان، كما جاء في حديث جبريل عليه السلام عند ما سأل النبي: « ما الإحسان؟ قال: أن تعبد الله كأنك تراه، فإن لم تكن تراه فإنه يراك » (متفق عليه)، فيجب على العبد أن يراقب ربَّه في جميع أحواله، ويوقن أن ربَّه سبحانه وتعالى من فوق عرشه بصيرٌ به. 2- النظر والتفكُّر والاعتبار والتذكُّر: فعلينا أن ننظر في خلق الله تعالى؛ لنرى كمال قدرته فنزداد يقينًا وإيمانًا، يقول الله عزَّ وجلَّ: { أَفَلَا يَنْظُرُونَ إِلَى الْإِبِلِ كَيْفَ خُلِقَتْ. وَإِلَى السَّمَاءِ كَيْفَ رُفِعَتْ. وَإِلَى الْجِبَالِ كَيْفَ نُصِبَتْ. وَإِلَى الْأَرْضِ كَيْفَ سُطِحَتْ} [الغاشية:17-20]، وكذلك التفكُّر والاعتبار من أحوال من سبق، فكما أمرنا الله عزَّ وجلَّ أن ننظر في خلقه، أمرنا أن نعتبر بما فُعِل في ما مضى من الأمم الغابرة، يقول تعالى: { قَدْ خَلَتْ مِنْ قَبْلِكُمْ سُنَنٌ فَسِيرُوا فِي الْأَرْضِ فَانْظُرُوا كَيْفَ كَانَ عَاقِبَةُ الْمُكَذِّبِينَ.

التفريغ النصي - أسماء الله الحسنى - البصير - للشيخ عبد الحي يوسف

وقد ذكر السميع في القرآن الكريم أكثر من أربعين مرة، اقترن في أكثر من ثلاثين منها بالعليم. كما اقترن في عشرة مواضع بالبصير، وجاء مقترناً بالقريب مرة واحدة. قال تعالى: فَسَيَكْفِيكَهُمُ اللّهُ وَهُوَ السَّمِيعُ الْعَلِيمُ [البقرة: 137]. اللَّهُ يَصْطَفِي مِنَ الْمَلائِكَةِ رُسُلاً وَمِنَ النَّاسِ إِنَّ اللَّهَ سَمِيعٌ بَصِيرٌ [الحج: 75]. وَإِنِ اهْتَدَيْتُ فَبِمَا يُوحِي إِلَيَّ رَبِّي إِنَّهُ سَمِيعٌ قَرِيبٌ [سبأ: 50]. الْحَمْدُ لِلّهِ الَّذِي وَهَبَ لِي عَلَى الْكِبَرِ إِسْمَاعِيلَ وَإِسْحَقَ إِنَّ رَبِّي لَسَمِيعُ الدُّعَاء [إبراهيم: 39]. يقول ابن القيم: وهو السميع يرى ويسمع كل ما *** في الكون من سر ومن إعلان ولكل صوت منه سمع حاضر *** فالسر والإعلان مستويان والسمع منه واسع الأصوات لا *** يخفى عليه بعيدها والداني فسمعه تعالى نوعان: أحدهما سمعه لجميع الأصوات الظاهرة والباطنة الخفية والجلية، وإحاطته التامة بها. الثاني: سمع الإجابة منه للسائلين والداعين والعابدين فيجيبهم ويثيبهم، ومنه قوله تعالى: إِنَّ رَبِّي لَسَمِيعُ الدُّعَاء وقول المصلي (سمع الله لمن حمده) أي استجاب < br /> عبد الرحمن آل سعدي، ((الحق الواضح المبين)) (ص: 35).. أما اسم الله (البصير): فمعناه الذي أحاط بصره بجميع المبصرات في أقطار الأرض والسموات، فيرى دبيب النملة السوداء على الصخرة الصماء في الليلة الظلماء.

(10) اسم الله البصير - شرح وأسرار الأسماء الحسنى - هاني حلمي عبد الحميد - طريق الإسلام

ثانيا: أن الله -سبحانه- خبير بعباده، وبأحوالهم وأفعالهم، عليم بمن يستحق الهداية ممن يستحق الضلالة، الذي يعلم المؤمن من الكافر، والبر من الفاجر: ( هُمْ دَرَجَاتٌ عِنْدَ اللَّهِ وَاللَّهُ بَصِيرٌ بِمَا يَعْمَلُونَ) [آل عمران: 163]. ثالثا: أن الله -سبحانه وتعالى- مالك أسماع الخلق وأبصارهم, وقد أمدنا بذلك بالمقدار الذي يصلح حالنا, ويمكننا من أداء الهدف من حياتنا: وقال جل شأنه: ( وَجَعَلَ لَكُمُ السَّمْعَ وَالْأَبْصَارَ وَالْأَفْئِدَةَ لَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ) [النحل:78]. رابعا: إن الله هو البصير الذي ينظر للمؤمنين بكرمه ورحمته، ويمنُّ عليهم بنعمته وجنته، ويزيدهم كرما بلقائه ورؤيته، ولا ينظر إلى الكافرين إيقاعا لعقوبته، فهم مخلدون في العذاب محجوبون عن رؤيته، لا يكلمهم الله، ولا ينظر إليهم. اللهم اغفر لنا ما أسررنا وما أعلنا، وما قدمنا وما أخرنا، وما أنت أعلم به منا أنت المقدم وأنت المؤخر لا إله إلا أنت. قلت ما سمعتم وأستغفر الله لي ولكم فاستغفروه إنه هو الغفور الرحيم. الخطبة الثانية: الحمد لله وحده والصلاة والسلام على من لا نبي بعده، أما بعد: أيها المؤمنون: من خلال فهم المعنى العظيم لاسم الله البصير يستطيع الإنسان أن يكتسب الكثير من المعاني والآثار الإيمانية، المترتبة على ذلك الفهم، والتي تستقيم بها حياته، ومنها: أولاً: إثبات صفة البصر له -جل شأنه-، لأنه وصَف نفسه بذلك وهو أعلم بنفسه، وذلك بلا تحريف ولا تعطيل ولا تمثيل ولا تأويل، وصفة العين صفة ذاتية حقيقية نؤمن بها تصديقا لخبر الله ولا نسأل عن الكيفية، فإن لله له عينان حقيقيتان تليقان بذاته -سبحانه-، قال تعالى لموسى وهارون -عليهما السلام-: ( قَالَ لا تَخَافَا إِنَّنِي مَعَكُمَا أَسْمَعُ وَأَرَى) [طه:46].

أيها المسلمون: ولقد كان الجيل الأول أكثر الناس فهما وفقها للآيات والأحاديث، وقد تشرَّبت قلوبهم بتلك المعاني العظيمة، وانطبعت قلوبهم بتلك الآثار الإيمانية الكبيرة لأسماء الله وصفاته، ومن الأمثلة على ذلك: أن أمير المؤمنين عمر بن الخطّاب -رضي الله عنه- كان يتفقد المسلمين ليلا في سكك المدينة, فسمع عجوزاً تقول لابنتها: " امزجي اللبن بالماء ", فقالت البنت: " أما علمت أن عمر نهى عن مزج اللبن بالماء "؟, فقالت العجوز في لحظة غفلة: " وأين عمر حتى يرانا ؟! ", فقالت البنت المؤمنة الموقنة بنظر الله -تعالى- إليهما: "إن كان عمر لا يرانا فربُّ عمر يرانا " ومن نسل هذه المؤمنة الصالحة كان نسمة عظيمة من أعلام الأمة، وهو أمير المؤمنين عمر بن عبد العزيز -رحمه الله-، وصدق الله: ( ذُرِّيَّةً بَعْضُهَا مِنْ بَعْضٍ) [آل عمران: 34]. ذكر ابن الجوزي في التبصرة بسنده, عن نَافِع مولى ابن عمر قَالَ: خَرَجْتُ مَعَ ابْنِ عُمَرَ فِي بَعْضِ نَوَاحِي الْمَدِينَةِ, وَمَعَهُ أَصْحَابٌ لَهُ فَوَضَعُوا سُفْرَةً لَهُمْ, فَمَرَّ بِهِمْ رَاعٍ فَقَالَ لَهُ عَبْدُ اللَّهِ: " هَلُمَّ يَا رَاعِي فَأَصِبْ مِنْ هَذِهِ السُّفْرَةِ" فَقَالَ: "إِنِّي صَائِمٌ".