أما هؤلاء الشعراء فقد وصفوا الصيد والطرد بقصائد مختلفة، فالسري الرفاء مثلاً له طرديات كثيرة وصف فيها الطرد بالطيور الجوارح وبالكلاب وبالقس دون الاستعانة بالجوارح أو الكلاب، ومن قوله في وصف كلاب الصيد: غدوت بها مجنونة في اغتدائها تلاقي الوحوش الحين عن لقائها لهن شيات كالزوابح أصبحت مولعة ظلماؤها بضيائها وأيد إذ سلت صوالج فضة على الوحش يوماً ذهبت بدمائها ويتضح من قول السري الرفاء أنه نهج قول ابن المعتز وابن الرومي في تشبيهاته ومعانيه وأفكاره، فهو لم يكن لديه نهج خاص به وإنما كان يقلد شعراء جيله.
يُـقيم الشاعر "علي ابن الجهم" مدة من الزمن على هذه الحال، والعلماء يتعهدون مجالسته ومحاضراته، ثم يستدعيه الخليفة و ينشده الشاعر قصيدة جديدة... فتكون المفاجأة... قصيدة من أرقّ الشعر و أعذبه... مع علي بن الجَهْم والحكاية الطريفة - ديوان العرب. يقول مطلعها: عيون المها بين الرُّصافة و الجسر جلبن الهوى من حيث أدري ولا أدري يقول المتوكل: انظروا كيف تغيرت به الحال، والله خشيت عليه ان يذوب رقة و لطافة. ذاعت شهرة قصيدة "عيون المها"، ومنها: خليليَّ، ما أحلى الهوى، وأمـرَّهُ وأعرفني بالحلو منه وبالمُر بما بيننا من حُرمةٍ هل علمتما أرقَّ من الشكوى، وأقسى من الهجرِ وأفضح من عين المُحب لسِـرّهِ ولاسيما إن أطلقت عَبرةً تجري وردت هذه القصة في كتاب محيي الدين بن عربي (محاضرة الأبرار ومسامرة الأخيار) ج2، ص3 ، وعنه نقل محمد أحمد جاد المولى وصاحباه في قصص العرب (دار الجيل)- ج 3، ص298. نقد القصة: بحثت في كتاب ابن خِلِّكان (وفَيَات الأعيان) ج1، ص 441 فوجدت ترجمة ابن الجهم، ولم يذكر شيئًا من هذه القصة الطريفة، بل هي ليست موجودة فيما راجعت من كتب المتقدمين كالجاحظ وابن قتيبة والمبرِّد وابن عبد ربه وآخرين. بل إن الجزء العاشر من (الأغاني) ص 247- 280 أورد قصصًا شتى وروايات عن الشاعر، ولم تكن هذه الحكاية بينها.
أقول: هكذا وردت القصة – بتصرف يسير – في محاضرات الأبرار ومسامرات الأخيار لابن عربي الصوفي ( 2/3)، وعنه نقل محمد أحمد جاد المولى وصاحباه في قصص العرب (3/298)، وخليل مردم في تحقيقه لديوان علي بن الجهم (حاشية ص 143). فالمصدر واحد لا ثاني له، وقد حاولت أن أجد لها أصلاً في كتب المتقدمين كالجاحظ وابن قتيبة والمبرد وابن عبد ربه وآخرين، فلم أقع على شيء من ذلك، وهذا وحده كاف في توهينها. فإذا عرفت أن ابن عربي أسند روايتها إلى مجهول فقال: (حكى لنا بعض الأدباء…) زاد وهنها عندك، علما أن بين ابن الجهم (ت: 249هـ)، وابن عربي ( ت 638هـ) ما يقارب أربعة قرون، فأين انزوت هذه القصة الطريفة طوال أربعمئة سنة ؟! زد إلى ذلك أن ابن عربي نفسه متّهم في دينه ، مطعون في إيمانه ،بل متهم بالكفر، نقل ذلك فيمن نقل الذهبي (سير أعلام النبلاء: 23/48) فقال: إن الشيخ العز بن عبد السلام يقول عن ابن عربي: ( شيخ سوء كذاب). وقال الذهبي نفسه: (ومن أردأ تواليفه كتاب الفصوص، فإن كان لا كفر فيه فما في الدنيا كفر).