قل سيروا في الأرض فانظروا كيف بدأ الخلق

فجملة ثُمَّ اللَّهُ يُنْشِئُ النَّشْأَةَ الْآخِرَةَ معطوفة على قوله: سِيرُوا... وداخلة معها في حيز القول.. والكيفية في هذه الآية باعتبار بدء الخلق على أطوار شتى، وصور متعددة... آيات وعبر ـ السير في الأرض. وفي الآية السابقة وهي قوله: أَوَلَمْ يَرَوْا كَيْفَ يُبْدِئُ اللَّهُ الْخَلْقَ ثُمَّ يُعِيدُهُ باعتبار بدء الخلق من مادة وغيرها. والمقصود بالأمر بالسير: التدبر والتأمل والاعتبار، لأن من شأن التنقل في جنبات الأرض، أنه يوقظ الحس، ويبعث على التفكير، ويفتح العين والقلب على المشاهد الجديدة التي لم تألفها العين، ولم يتأملها القلب قبل ذلك. وجاء الأمر بالسير عاما، لأن كل إنسان- في كل زمان ومكان- يأخذ من وجوه العبرة والعظة- عن طريق هذا السير ما يتناسب مع عقله، وثقافته، وبيئته، وفكره، ومستواه المادي، والاجتماعى، والحضارى... وقوله- سبحانه-: إِنَّ اللَّهَ عَلى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ تعليل لما قبله. أى: هو- سبحانه- قادر على النشأة الأولى، وعلى النشأة الآخرة، لأن قدرته لا يعجزها شيء ولا يحول دون نفاذها حائل. ﴿ تفسير ابن كثير ﴾ ثم قال تعالى: ( قل سيروا في الأرض فانظروا كيف بدأ الخلق ثم الله ينشئ النشأة الآخرة) أي: يوم القيامة ، ( إن الله على كل شيء قدير).

آيات وعبر ـ السير في الأرض

ومن نون ( مودة) ونصبها فعلى ما ذكر ( بينكم) بالنصب من غير إضافة. قال ابن الأنباري: ومن قرأ: ( مودة بينكم) و ( مودة بينكم) لم يقف على ( الأوثان) ووقف على ( الحياة الدنيا) ومعنى الآية: جعلتم الأوثان تتحابون عليها وعلى عبادتها في الحياة الدنيا ثم يوم القيامة يكفر بعضكم ببعض ويلعن بعضكم بعضا تتبرأ الأوثان من عبادها والرؤساء من السفلة كما قال الله عز وجل: الأخلاء يومئذ بعضهم لبعض عدو إلا المتقين. ( ومأواكم النار) هو خطاب لعبدة الأوثان الرؤساء منهم والأتباع وقيل: تدخل فيه الأوثان كقوله تعالى: إنكم وما تعبدون من دون الله حصب جهنم.

يريد أن العدول عن الإضمار إلى الإسم الظاهر لتسجيل وقوع هذا الإنشاء الثاني ، فتكون الجملة مستقلة حتى تكون عنوان اعتقاد بمنزلة المثل لأن في اسم الجلالة إحضاراً لجميع الصفات الذاتية التي بها التكوين ، وليفيد وقوع المسند إليه مخبراً عنه بمسند فعلي معنى التقوي. وجملة { إن الله على كل شيء قدير} تذييل ، أي قدير على البعث وعلى كل شيء إذا أراده. وإظهار اسم الجلالة لتكون جملة التذييل مستقلة بنفسها فتجري مجرى الأمثال. و { النشأة} بوزن فعلة: المرة من النّشء وهو الإيجاد ، وكذلك قرأها الجمهور ، عبر عنها بصيغة المرة لأنها نشأة دفعية تخالف النّشء الأول ويقال: النّشاءة بمد بعد الشين بوزن الكآبة ومثلها الرأفة والرءافة. وقرأ ابن كثير وأبو عمرو { النشاءة} بالمدّ. ووصفها ب { الآخرة} إيماء بأنها مساوية للنشأة الأولى فلا شبهة لهم في إحالة وقوعها. وأما قوله تعالى { ولقد علمتم النشأة الأولى} [ الواقعة: 62] فذلك على سبيل المشاكلة التقديرية لأن قوله قبله { ونُنشئكم فيما لا تعلمون} [ الواقعة: 61] يتضمن النشأة الآخرة فعبر عن مقابلتها بالنشأة. قراءة سورة العنكبوت