القرآن الكريم - تفسير ابن كثير - تفسير سورة الحاقة - الآية 9

فَعَصَوْا رَسُولَ رَبِّهِمْ فَأَخَذَهُمْ أَخْذَةً رابِيَةً. وفرعون: هو الذي قال لقومه- من بين ما قال- أنا ربكم الأعلى... وقد أرسل الله- تعالى- إليه نبيه موسى- عليه السلام- ولكنه أعرض عن دعوته.. وكانت نهايته الغرق. والمراد بمن قبله: الأقوام الذين سبقوه في الكفر، كقوم نوح وإبراهيم- عليهما السلام-. القرآن الكريم - تفسير السعدي - تفسير سورة الحاقة - الآية 9. والمراد بالمؤتفكات: قرى قوم لوط- عليه السلام- التي اقتلعها جبريل- عليه السلام- ثم قلبها بأن جعل عاليها سافلها، مأخوذ من ائتفك الشيء إذا انقلب رأسا على عقب. قال- تعالى- جَعَلْنا عالِيَها سافِلَها وَأَمْطَرْنا عَلَيْها حِجارَةً مِنْ سِجِّيلٍ مَنْضُودٍ. والمراد بالمؤتفكات هنا: سكانها وهم قوم لوط الذين أتوا بفاحشة ما سبقهم إليها أحد من العالمين. وخصوا بالذكر، لشهرة جريمتهم وبشاعتها وشناعتها.. ولمرور أهل مكة على قراهم وهم في طريقهم إلى الشام للتجارة، كما قال- تعالى-: وَإِنَّكُمْ لَتَمُرُّونَ عَلَيْهِمْ مُصْبِحِينَ. وَبِاللَّيْلِ أَفَلا تَعْقِلُونَ. أى: وبعد أن أهلكنا أقوام عاد وثمود.. جاء فرعون، وجاء أقوام آخرون قبله، وجاء قوم لوط، وكانوا جميعا كافرين برسلنا، ومعرضين عن دعوة الحق ومرتكبين للفعلات الخاطئة، والفواحش المنكرة.

القرآن الكريم - تفسير السعدي - تفسير سورة الحاقة - الآية 9

{وَجَاءَ فِرْعَوْنُ وَمَن قَبْلَهُ وَالْمُؤْتَفِكَاتُ بِالْخَاطِئَةِ (9) فَعَصَوْا رَسُولَ رَبِّهِمْ فَأَخَذَهُمْ أَخْذَةً رَّابِيَةً (10)} [ الحاقة] { وَجَاءَ فِرْعَوْنُ وَمَن قَبْلَهُ وَالْمُؤْتَفِكَاتُ بِالْخَاطِئَةِ}: من الأمم المكذبة للرسل المعادية للرسالات أمة فرعون وقوم لوط, وقد قدما نموذجين مختلفين من الكفر والعناد, الأول كفر استكبار وطغيان فرعون مع إذعان واستضعاف للشعب ومتابعته على كفره, والنموذج الثاني نموذج عبادة الشهوات واستحلال الحرام وانتكاس الفطرة السليمة حين استحلوا أدبار الرجال واستغنوا بها عما أحل الله من الزواج الحلال من النساء. فلما أصروا وانتهت المهلة وقد تبينت لهم الآيات أخذهم الله أخذ عزيز مقتدر.

ووصفت قرى قوم لوط ب ( المؤتفكات) جمع مؤتفكة اسم فاعل ائتفك مطاوع أفكه ، إذا قلبه ، فهي المنقلبات ، أي قلبها قالب أي خسف بها قال تعالى فجعلنا عاليها سافلها. والخاطئة: إما مصدر بوزن فاعلة وهاؤه هاء المرة الواحدة فلما استعمل مصدرا قطع النظر عن المرة ، كما تقدم في قوله ( الحاقة) فهو مصدر خطئ ، إذا أذنب. والذنب: الخطء بكسر الخاء ، وأما اسم فاعل خطئ وتأنيثه بتأويل: الفعلة ذات الخطء فهاؤه هاء تأنيث. والتعريف فيه تعريف الجنس على كلا الوجهين ، فالمعنى: جاء كل منهم بالذنب المستحق للعقاب. وفرع عنه تفصيل ذنبهم المعبر عنه بالخاطئة فقال فعصوا رسول ربهم وهذا التفريع للتفصيل نظير التفريع في قوله كذبت قبلهم قوم نوح فكذبوا عبدنا وقالوا مجنون وازدجر في أنه تفريع بيان على المبين. وضمير عصوا يجوز أن يرجع إلى فرعون باعتباره رأس قومه ، فالضمير عائد إليه وإلى قومه ، والقرينة ظاهرة على قراءة الجمهور ، وأما على قراءة أبي عمرو والكسائي فالأمر أظهر وعلى هذا الاعتبار في محل ضمير ( عصوا) يكون المراد ب رسول ربهم موسى - عليه السلام -. وتعريفه بالإضافة لما في لفظ المضاف إليه من الإشارة إلى تخطئتهم في عبادة فرعون وجعلهم إياه إلها لهم.