ان جاءكم فاسق بنبأ فتبينوا

الثاني: التبيّن من حقيقته. فإن قلتَ: فهل بينهما فرقٌ؟ فالجواب: نعم، لأنه قد يثبت الخبر، ولكن لا يُدْرى ما وجهه! ولعلنا نوضح ذلك بقصة وقعت فصولها في عهد النبي صلى الله عليه وسلم، وذلك حين خرج النبي صلى الله عليه وسلم من مسجده ليوصل زوجته صفية رضي الله عنها إلى بيتها، فرآه رجلان، فأسرعا المسير فقال: « على رسلكما إنها صفية » (صحيح البخاري). فلو نقل ناقل أنه رأى النبي صلى الله عليه وسلم يمشي مع امرأة في سواد الليل لكان صادقًا، لكنه لم يتبين حقيقة الأمر، وهذا هو التبين.. وهذا مثال قد يواجهنا يوميًا: فقد يرى أحدنا شخصًا دخل بيته والناس متجهون إلى المساجد لأداء صلاتهم، فلو قيل: إن فلانًا دخل بيته والصلاة قد أقيمت، لكان ذلك القول صوابًا، لكن هل تبين سبب ذلك؟ وما يدريه؟! فقد يكون الرجل لتوه قدم من سفر، وقد جمَعَ جمْع تقديم فلم تجب عليه الصلاة أصلًا، أو لغير ذلك من الأعذار. القرآن الكريم - تفسير القرطبي - تفسير سورة الحجرات - الآية 6. وهذا مثال آخر قد يواجهنا في شهر رمضان مثلًا: قد يرى أحدنا شخصًا يشرب في نهار رمضان ماءً أو عصيرًا، أو يأكل طعامًا في النهار، فلو نقل ناقل أنه رأى فلانًا من الناس يأكل أو يشرب لكان صادقًا، ولكن هل تبين حقيقة الأمر؟ قد يكون الرجل مسافرًا وأفطر أول النهار فاستمر في فطره على قول طائفة من أهل العلم في إباحة ذلك، وقد يكون مريضًا، وقد يكون ناسيًا... الخ تلك الأعذار.

القرآن الكريم - تفسير القرطبي - تفسير سورة الحجرات - الآية 6

ومن العجيب أيضا أن هذا الأمر النبوي ما زال صالحا حتى زماننا هذا رغم أنه لم يعد الناس يعتمدون على الأسرجة في الإنارة؛ فمعلوم أن الفأرة قد تقرض الأسلاك الكهربائية وتفسد الأنظمة الكهربائية والإلكترونية وكثيرا ما يؤدي ذلك إلى الحرائق. لقراءة بقية المقالة نرجو زيارة موقع الجماعة الرسمي على الرابط هنا: نكتة شيقة في "إن جاءكم فاسق بنبأ فتبينوا"

لماذا أمر الله بالتبين بأمر الفاسق؟ من المعلوم أن قوله تعالى: { يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِنْ جَاءَكُمْ فَاسِقٌ بِنَبَأٍ فَتَبَيَّنُوا أَنْ تُصِيبُوا قَوْمًا بِجَهَالَةٍ فَتُصْبِحُوا عَلَى مَا فَعَلْتُمْ نَادِمِينَ} (الحجرات 7) يُفهم على أنه دعوة للتبين من كل نبأ يخص قوما، وأن علينا التبيُّن كي لا نصيبهم بجهالة ونندم بعد ذلك. ولكن، من اللافت أن الله تعالى قال " إِنْ جَاءَكُمْ فَاسِقٌ بِنَبَأٍ " ولم يقل " إن جاءكم أحد بنبأ" مثلا؟ فلماذا يأمرنا الله تعالى أن نتبين من نبأ الفاسق خاصة؟ ألم يكن كافيا أن يأمرنا بالتبين عامة عندما يردنا أي نبأ بغض صاحب النبأ؟ معنى الفاسق والفسق في اللغة الفسق في أصله في اللغة هو الانفصال والخروج، فقد جاء في القواميس: فَسَقَ كلُّ ذِي قِشْرٍ فَسَقَ فِسْقًا، وفُسُوقًا: خَرج عن قِشْرِه. ان جاءكم فاسق بنبأ فتبينوا سبب النزول. ويقال: فَسَقَتِ الرُّطَبَةُ عن قِشْرِها أي خرجت وانفصلت. ويسمى الكافر فاسقا لأنه خرج عن أوامر الله تعالى ولم يلتزم بها. ومن المعاني المرتبطة بالفسق هو الفساد أو الإفساد والتخريب الخفي في أي نظام، والذي هو خروج عنه في الحقيقة، والذي هو أصل معنى الفسق؛ ولذلك سمَّى النبي صلى الله عليه وسلم الفأرة بالفويسقة، وأمر بقتلها في الإحرام بل وفي الصلاة، وحذر من إبقاء السراج مشتعلا أثناء النوم لأن الفأرة قد تجر الفتيل وتحرق أهل البيت كما قال صلى الله عليه وسلم.