شرح حديث (من عادى لي وليًا) - موضوع

يقول الشوكاني: " المعيار الذي تعرف به صحة الولاية ، هو أن يكون عاملاً بكتاب الله سبحانه وبسنة رسوله- صلى الله عليه وسلم - مؤثراً لهما على كل شيء ، مقدماً لهما في إصداره وإيراده ، وفي كل شؤونه ،فإذا زاغ عنهما زاغت عنه ولايته " ، وبذلك نعلم أن طريق الولاية الشرعي ليس سوى محبة الله وطاعته واتباع رسوله - صلى الله عليه وسلم - ، وأن كل من ادعي ولاية الله ومحبته بغير هذا الطريق ، فهو كاذب في دعواه. حرمة معاداة أولياء الله أولياء الله تجب مولاتهم وتحرم معاداتهم ، وكل من آذى ولياً لله بقول أو فعل ، فإن الله يعلمه بأنه محارب له ، وأنه سبحانه هو الذي يتولى الدفاع عنه ، وليس للعبد قبل ولا طاقة بمحاربة الله عز وجل ، قال سبحانه: { إنما وليكم الله ورسوله والذين آمنوا الذين يقيمون الصلاة ويؤتون الزكاة وهم راكعون * ومن يتول الله ورسوله والذين آمنوا فإن حزب الله هم الغالبون} (المائدة: 55-56). درجات الولاية وبعد أن ذكر سبحانه وجوب موالاة أولياء الله وتحريم معاداتهم وعقوبة ذلك ، ذكر طرق تحصيل هذه الولاية ، فبيَّنَ أن أولياء الله على درجتين: الدرجة الأولى: درجة المقتصدين أصحاب اليمين الذين يتقربون إلى ربهم بأداء ما افترض عليهم ، وهو يشمل فعل الواجبات وترك المحرمات ، لأن ذلك كله من فرائض الله التي افترضها على عباده ، فذكر سبحانه أن التقرب إليه بأداء الفرائض هو من أفضل الأعمال والقربات كما قال عمر رضي الله عنه: " أفضل الأعمال أداء ما افترض الله ، والورع عما حرم الله ، وصدق النية فيما عند الله تعالى " وقال عمر بن عبد العزيز في خطبته: " أفضل العبادات أداء الفرائض واجتناب المحارم ".

الدرس (10) باب صلاة الجماعة والإمامة

توحيد الأسماء والصفات عن أبي هريرة -رضي الله عنه- قال: قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: «إنَّ اللهَ قال: مَن عادى لي وليًّا فقد آذنتُه بالحرب، وما تقرَّب إليَّ عبدي بشيء أحب إليَّ مما افترضتُ عليه، وما يزال عبدي يتقرَّب إليَّ بالنوافل حتى أحبَّه، فإذا أحببتُه: كنتُ سمعَه الذي يسمع به، وبصرَه الذي يُبصر به، ويدَه التي يبطش بها، ورجلَه التي يمشي بها، وإن سألني لأعطينَّه، ولئن استعاذني لأُعيذنَّه، وما تردَّدتُ عن شيء أنا فاعلُه تردُّدي عن نفس المؤمن، يكره الموتَ وأنا أكره مساءتَه». شرح الحديث: قوله -تعالى-: «من عادى لي وليًّا، فقد آذنته بالحرب» يعني: من آذى وليًّا لله تعالى -وهو المؤمن التقي المتبع لشرع الله تعالى- واتخذه عدوًّا، فقد أعلمته بأني محارب له، حيث كان محاربًا لي بمعاداة أوليائي. وقوله: «وما تقرَّب إليَّ عبدي بشيء أحب إليَّ مما افترضتُ عليه، وما يزال عبدي يتقرَّب إليَّ بالنوافل حتى أحبَّه»: لما ذكر أن معاداة أوليائه محاربة له، ذكر بعد ذلك وصف أوليائه الذين تحرم معاداتهم، وتجب موالاتهم، فذكر ما يُتقرَّب به إليه، وأصل الولاية القرب، وأصل العداوة البعد، فأولياء الله هم الذين يتقربون إليه بما يُقرِّبهم منه، وأعداؤه الذين أبعدهم عنه بأعمالهم المقتضية لطردهم وإبعادهم منه، فقسَّم أولياءه المقرَّبين قسمين: أحدهما: مَن تقرب إليه بأداء الفرائض، ويشمل ذلك فعل الواجبات، وترك المحرَّمات؛ لأن ذلك كله من فرائض الله التي افترضها على عباده.

سيستغل السياسيون والقيمون على المدينة ارتفاع سعر صرف الدولار لشرائنا بثمن بخس لا يكفي ثمن وجبة غداء لأسبوع"، يكمل الشاب أن عدداً من الضحايا هم من أبناء عمومته وسيثأر لهم قريباً، وعند السؤال حول الثأر يقاطع الشاب استغرابنا ليقول: الثأر في صندوق الاقتراع لدفن هذه العصابة الحاكمة في "مزبلة الخاسرين". أمام المستشفى الحكومي في طرابلس يقف مئات المواطنين من ذوي المفقودين، ينتظرون الجثامين التي عثر عليها على الشواطئ، لعلها تكون لأحد أحبائهم. يعلو الصراخ والهتاف ضد زعماء المدينة ويتم تمزيق صورهم في محيط المستشفى في ظاهرة غابت منذ 17 تشرين، وأمام هذا المشهد المريع ثمة أم تجلس على رصيف تذرف دموعها بانتظار وصول جثمان ولدها وتقول: لقد قطعت الأمل من بقائه حياً لكنني انتظر جثمانه لأقوم بتوديعه ودفنه. طرابلس: في منزل الرجل الذي فقد أبناءه في قارب الموت. ومع بكائها ودموعها يبكي الواقفون إلى جانبها، يحاولون إيجاد كلمات ومصطلحات عن الصبر والأمل، لكنها تقول بصوت مرتفع أنها لن تنتظر العدالة من هذه السلطة الجائرة "الوقحة"، وتسأل، منذ متى تحققت العدالة مع هذه المافيا القاتلة التي دفعت ابنها للهجرة عبر البحر بحثاً عن بصيص أمل في أوروبا. تتحدث الأم أن ولدها رفض الزواج في لبنان لأنه لا يريد "توريط" أي بنت معه في ظروفه، على رغم علاقة جمعته مع فتاة تزامله في الجامعة، لكنه آثر الهروب في البحر بحثاً عن حياة فيها كهرباء وماء وخدمات وعيش كريم.

الدرس الخامس من الأصول الستة

وبصره الذي يبصر به أي: أنه لا يبصر ولا ينظر إلا إلى ما يحبه الله . ويده التي يبطش بها بمعنى أن تصرفات هذا الإنسان تكون مضبوطة محكومة بحكم الشرع، فلا تمتد يده إلا إلى الحلال، لا يظلم، ولا يأخذ أموال الناس. ورجله التي يمشي بها صار يمشي إلى ما يحبه الله، وليس معنى ذلك أن الله حل به، حاشا وكلا، فالله فوق سماواته على عرشه، بائن من خلقه، وإنما "رجله التي يمشي بها" بمعنى أنه يمشي إلى المساجد، يمشي إلى مجالس الذكر، يمشي إلى حج، إلى عمرة، يمشي إلى صلة رحم، لا يمشي خطوة إلا ويكون ذلك مما يحبه الله  ، لا يمشي إلى حرام. قال: وإن سألني أعطيته يكون مجاب الدعوة. ولئن استعاذني لأعيذنه إذا خاف من شيء وقال: اللهم إني أعوذ بك من كذا، من هذا، من هؤلاء الناس، من هذه الشرور، من هذه الآفات، من كذا، يعيذه الله  ، فيحفظه ويكلؤه ولا يصل إليه شيء من هذه المخاوف والآفات التي استعاذ منها، رواه البخاري. من عادى لي وليا فقد آذنته بالحرب شرح. فهذا حديث من أعظم الأحاديث، وينبغي للإنسان دائمًا أن يستحضر معناه، وأن يعرض نفسه عليه سواء كان ذلك من جهة السبب أي الأعمال التي توصل إلى محبة الله  ، أو كان ذلك باعتبار الأثر والنتيجة، هل هذه الأوصاف ظاهرة عليه حتى يعرف أن الله يحبه أو لا.

وما تقرب إليّ عبدي بشيء أحبَّ إليّ مما افترضت عليه إذًا نحرص على الفرائض الصلوات المكتوبة، صيام رمضان، الحج الواجب، العمرة الواجبة، وما شابه ذلك ابدأ بالواجبات ثم بعد ذلك تأتي المستحبات والنوافل. ثم قال: وما يزال عبدي يتقرب إليّ بالنوافل حتى أحبَّه بمعنى أنه طريق إلى محبة الله  ، هذا هو الشاهد في الباب: هو التقرب إلى الله  بالنوافل بعد تحقيق الفرائض، فمن أراد أن ينال محبة الله  فعليه أن يكثر من النوافل، "يتقرب إليّ بالنوافل"، النوافل من ماذا؟ النوافل من الصلوات، والنوافل من الصيام، والنوافل من العمرة، والنوافل من الحج، والنوافل من الصدقات إلى غير ذلك مما يحبه الله  من غير الفرائض، فيحقق الفرائض أولاً ثم بعد ذلك يتزود ويكثر ويستمر؛ لأنه قال: وما يزال ، وليس ذلك بالذي يعمل الأعمال الطيبة مدة من الزمن يسيرة ثم بعد ذلك ينقطع ويدير ظهره، فإن مثل هذا لا ينطبق عليه هذا الحديث.

طرابلس: في منزل الرجل الذي فقد أبناءه في قارب الموت

وبذلك تصبح كارثة نيسان/ أبريل 2022، امتداداً لجرائم السلطة في ترك الناس لمصيرهم المجهول في عرض البحر. شهادة الضحايا تلاحق المسؤولين في شوارع المدينة المكلومة رائحة الموت تلف كل الأرجاء، مظاهر الحزن تكسو كل شيء، تجمعات بشرية في كل شارع وعند كل مستديرة، والوجوه شاحبة من مدخل المدينة حتى داخلها المهمل والمدمر بكل صنوف الدمار المادي والمعنوي، فيما منازل ذوي الضحايا المفجوعين تعيش حزناً مضاعفاً ونقمة جراء ما حدث. صوت البكاء يكاد يخنق الحياة في منزل أبو محمد دندشي الذي فقد أطفاله الثلاثة، أكبرهم في الثامنة، فيما أصغرهم لم يبلغ الأربعين يوماً. وعلى كرسيه العتيق يجلس الرجل، تخنقه العبرات ليقول إنه كان ينوي من هذه الهجرة عبر قارب الموت كما يطلق عليه الجميع، أن يؤمن لأطفاله حياة جديدة غير تلك التي عاشها هو في لبنان وتجرع خلالها كل الويلات والظلم. يسكت أبو محمد تارة وينطق تارة أخرى، ويروي ما حصل معه في عرض البحر، مشيراً إلى تعمد الضابط اللبناني والذي اعترض قافلتهم، إغراقهم عبر الاصطدام بالزورق الذي كاد يغادر المياه الإقليمية اللبنانية، ويضيف الرجل أن ذلك الضابط انهال على الركاب بالشتائم وصدمهم مرتين ما أدى إلى غرق الزورق خلال ثوان معدودة.

((ولئن سألني لأعطينه))؛ أي: طلب مني شيئًا من أمور الدنيا والآخرة لأُجيبن دعوته. ((ولئن استعاذني لأعيذنه))؛ أي: طلب مني أن أعيذه مما يخاف لأُعيذنه ولأُجيرنه. الفوائد من الحديث: 1- إثبات الولاية لله عز وجل؛ أي: إن لله تعالى أولياءَ. 2- أن معاداة أولياء الله من كبائر الذنوب؛ لأن الله جعل ذلك إيذانًا بالحرب. 3- أن الفريضة أحب إلى الله من النافلة. 4- أن من واظب على السنن وصل إلى محبة الله. 5- فيه رد على زعم أن الولي له منزلة مَن بلغها سقطت عنه التكاليف، فمن تأمل الحديث وجد أن من بلغ مرتبة الولاية فعليه أن يزداد حفاظًا على الفرائض والنوافل. [1] الوافي (335). [2] قطر الولي على حديث الولي (229). [3] شرح الأربعين لابن دقيق العيد (120)، شرح الأربعين لابن العطار (182).