ليس لك من الأمر شيء

قال الترمذي: هذا حديث حسن غريب صحيح. ورواية الترمذي هذه تبين السبب الذي لأجله ترك النبي صلى الله عليه وسلم الدعاء على المشركين. ليس لك من الأمر شيء. الثاني: أنها نزلت بسبب ما جرى للنبي صلى الله عليه وسلم يوم أُحد، وكان قد جُرِح، وكُسرت بعض أسنانه، والمروي في هذا الصدد روايات، منها: - ما رواه مسلم عن أنس رضي الله عنه، أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كُسرت رباعيته يوم أحد، وشُجَّ في رأسه، فجعل يسلت الدم عنه، ويقول: ( كيف يفلح قوم شجوا نبيهم، وكسروا رباعيته، وهو يدعوهم إلى الله ؟)، فأنزل الله عز وجل: { ليس لك من الأمر شيء}. - وروى الطبري عن قتادة ، قوله: ذُكِرَ لنا أن هذه الآية أنزلت على رسول الله صلى الله عليه وسلم يوم أُحد، وقد جُرح نبي الله صلى الله عليه وسلم في وجهه، وأصيب بعض رباعيته، فقال -وسالم مولى أبي حذيفة يغسل عن وجهه الدم-: ( كيف يفلح قوم خضبوا وجه نبيهم بالدم، وهو يدعوهم إلى ربهم! ) فأنزل الله عز وجل: { ليس لك من الأمر شيء أو يتوب عليهم أو يعذبهم فإنهم ظالمون}. - وروى الطبري عن الربيع بن أنس ، قال: أنزلت هذه الآية على رسول الله صلى الله عليه وسلم يوم أحد، وقد شُجَّ رسول الله صلى الله عليه وسلم في وجهه، وأصيبت رباعيته، فهمَّ رسول الله صلى الله عليه وسلم أن يدعو عليهم، فقال: ( كيف يفلح قوم أدموا وجه نبيهم، وهو يدعوهم إلى الله، وهم يدعونه إلى الشيطان، ويدعوهم إلى الهدى، ويدعونه إلى الضلالة، ويدعوهم إلى الجنة، ويدعونه إلى النار!

  1. ليس لك من الأمر شيء - د.خالد بن صالح المنيف

ليس لك من الأمر شيء - د.خالد بن صالح المنيف

إنَّ عقلية الرغبة في السيطرة على كلِّ شيء وتغيير كلِّ الأمور تتأسَّسُ من عدة دوافع منها: أنَّ صاحبَها يستخدمُها للسيطرة على القلق! ليس لك من الأمر شيء - د.خالد بن صالح المنيف. فهو يحدِّث نفسَه بأنه إذا سيطر على كلِّ شيء فلن يبقى هناك طريقٌ للقلق في حياته! وهذا مُنافٍ للحقيقة؛ فمصادرُ القلق بقدراتِكَ المحدودة لن تستطيع السيطرة عليها ولكن ما تستطيع السيطرة عليه هو ما يحكم تحت سيطرتِكَ! ومن الدوافع أنَّ صاحبها يرى تلازُمًا بين قدراتِه ونجاحِه وبين سيطرته على الآخرين، وثمة دافع ثالث هو الشعورُ المرهَفُ والنَّفس الرقيقة والقلب النابض وحبُّ الخير للجميع والخوف عليهم، كما كان عليه قرَّةُ العين محمد - اللهمَّ صلِّ وسلِّم عليه - ولكن القرآن عاتبَ حبيبَنا - اللهمَّ صلِّ وسلِّم عليه - في مسألة توسُّع نطاق المسؤولية؛ فخاطبه برقة وعذوبة: {فَلا تَذْهَبْ نَفْسُكَ عَلَيْهِمْ حَسَراتٍ}! ومن الجميل أنَّ ما نملك التحكُّمَ به أكثرُ وأهمُّ بكثير ممَّا لا نملِكُ التحكمَ به؛ فعواطفُكَ أنت مَن يملك السيطرة عليها، وطريقةُ تفكيرك مِلكُكَ لكَ، وأسلوبُ حياتكَ أنت مَن يختاره ولا يُفرَض عليكَ، وأغلبُ قراراتِكَ هي ملكٌ لكَ، وتطوير ذاتكَ وتغييرها نحو الأفضل لا أحدَ يحول بينك وبينه؛ لذا كُفّ عن فكرة أنْ تستطيع تغيير ما لا تقدِرُ عليه، وتوقَّف عن بذْل الجهد والطاقة لأمور بذلتَ فيها السببَ، وركِّز وصدقْني أنَّ ثمة حياة مختلفة جميلة تنتظرُكَ!

امرأة في عقدها الرابع لها شقيقان، كان بينهما من العداوة والخصومة ما يعلمه اللهُ، وقد أعيتْها الحيلُ في رأْبِ الصَّدع ولَمِّ الشَّمل وحَلِّ الخلاف، على مدار سنواتٍ طويلة بذلَت عظائمَ الجهود وتلمَّسَتْ عشراتِ الأسباب، ولكن لم يُكتَب لمحاولاتها النجاحُ، وكانت تعيشُ في همٍّ كبير وليلٍ طويلٍ؛ بسبب ما كان بين أخويْها، حتى اهتدَت أخيرًا للحلِّ الناجع وللعلاج المضمون! وهو الحلُّ الذي أعاد لها ابتسامتَها واستردَّتْ به سعادتَها وعاد الكرى لجفنيْها، والحلُّ كان: في غضِّ البصر وكفِّ اليد وصرْف الاهتمام عن تلك المشكلة التي لا حولَ ولا طولَ لها عليها, وبدأت تركِّز على حياتها ونفسِها وأولادها! إنَّ أهمَّ مهاراتِ (الشخصية السعيدة) امتلاكُ الفئتيْن؛ التمييز بين ما يتحكم به، وبين ما لا يتحكم به، وقد أكدَ هذا من آلاف السنين الفيلسوفُ الرومانيُّ العظيم (أبكتيوس) عندما قال: «وظيفتُكَ الأبرزُ في الحياة هي تقسيم الأشياء لفئتيْن؛ أشياء خارجية لا تستطيع التحكم بها، وخياراتٍ متعلقة بما يمكن التحكم به؛ فالخيرُ والشرُّ يكمُنان في اختياراتِنا! » فثمة أمور هي خارج سيطرتنا وأعلى من مستوى تحكُّمنا, وهناك أمورٌ تقع في نطاق السيطرة غير المباشرة ويدخُل ضمنها كلُّ ما يتعلق بتغيير البشر؛ فليس هناك أيُّ ضمانة لتغيير إنسان لأنَّ الأمر يتعلق بنفسية ورؤية وخبرة وعقلية معينة، فصرْفُ الزوج عن عادةٍ سيئة، وتحبيب الأولاد في الدِّراسة أو رفْع مستوى ذكائهم العقليِّ أو الارتقاء بذوق صديق، أو جعْل الآخرين يعملونَ بنصائحكَ... هي أمورٌ في نطاق السيطرة غير المباشرة، والعملُ معها يكونُ بقانونِ التأثير، لا قانون التغيير!