القرآن الكريم - تفسير الطبري - تفسير سورة الكهف - الآية 39

من للصبية؟ فقال: النار). تفسير قوله تعالى: (ولم تكن له فئة ينصرونه... ) تفسير قوله تعالى: (هنالك الولاية لله الحق... ) قال تعالى: هُنَالِكَ الْوَلايَةُ لِلَّهِ الْحَقِّ هُوَ خَيْرٌ ثَوَابًا وَخَيْرٌ عُقْبًا [الكهف:44]. هنالك أي: يوم القيامة الوَلاية، فإن قلنا: الولاية فهى الحكم والسلطان والأمر والنهي، وإن قلنا: الوِلاية فهى: النصرة والتعزيز والمؤازرة، وكل ذلك انفرد به الله جل جلاله، إذ يقول إذ ذاك: أنا الملك أين الملوك؟ فيقولها ويكررها جل جلاله، ولا جواب، فالكل ذل وخنع وأصبح يقول: نفسي نفسي، بما فيهم الأنبياء إلا نبينا محمداً صلى الله عيه وسلم، وعند ذاك يجيب نفسه بنفسه: أنا الملك أين الملوك؟ أنا ملك الملوك. قال تعالى: هُنَالِكَ الْوَلايَةُ لِلَّهِ الْحَقِّ [الكهف:44]. وهناك الحكم الحق والمناصرة والتأييد والقوة لله وحده، وليس لأحد موالاة ولا نصرة ولا سلطان يعتز به ولا حاكم يعود إليه، فالحاكم الله، له الأمر والنهي، وبيده العز والذل، يعز من يشاء ويذل من يشاء، بيده الخير جل جلاله وعلا مقامه. وهذا هو المغزى والنتيجة من ضرب المثل. ولولا اذ دخلت جنتك قلت ما شاء الله. ولقد قال السلف الصالح: إذا سمعت ربك يقول: ياأيها الناس! يا أيها الذين آمنوا!

تفسير: (ولولا إذ دخلت جنتك قلت ما شاء الله لا قوة إلا بالله)

قال الله تعالى: {أَوَلَمْ يَعْلَمْ أَنَّ اللَّهَ قَدْ أَهْلَكَ مِنْ قَبْلِهِ مِنَ الْقُرُونِ مَنْ هُوَ أَشَدُّ مِنْهُ قُوَّةً وَأَكْثَرُ جَمْعًا وَلَا يُسْأَلُ عَنْ ذُنُوبِهِمُ الْمُجْرِمُونَ وقد قدمنا الكلام على قصته في أثناء قصة موسى. وقال تعالى: وَمَا أَمْوَالُكُمْ وَلَا أَوْلَادُكُمْ بِالَّتِي تُقَرِّبُكُمْ عِنْدَنَا زُلْفَى إِلَّا مَنْ آمَنَ وَعَمِلَ صَالِحًا فَأُولَئِكَ لَهُمْ جَزَاءُ الضِّعْفِ بِمَا عَمِلُوا وَهُمْ فِي الْغُرُفَاتِ آمِنُونَ}. ولولا إذ دخلت جنتك قلت ماشاء الله. وقال تعالى: {أَيَحْسَبُونَ أَنَّمَا نُمِدُّهُمْ بِهِ مِنْ مَالٍ وَبَنِينَ نُسَارِعُ لَهُمْ فِي الْخَيْرَاتِ بَل لَا يَشْعُرُونَ}. ولما اغتر هذا الجاهل بما خوله الله به في الدنيا، فجحد الآخرة وادعى أنها إن وجدت ليجدن عند ربه خيرا مما هو فيه، وسمعه صاحبه يقول ذلك قَالَ لَهُ صَاحِبُهُ وَهُوَ يُحَاوِرُهُ أي؛ يجادله {أَكَفَرْتَ بِالَّذِي خَلَقَكَ مِنْ تُرَابٍ ثُمَّ مِنْ نُطْفَةٍ ثُمَّ سَوَّاكَ رَجُلًا}. أي: أجحدت المعاد وأنت تعلم أن الله خلقك من تراب، ثم من نطفة ثم صورك أطوارا حتى صرت رجلا سويا سميعا بصيرا، تعلم وتبطش وتفهم، فكيف أنكرت المعاد والله قادر على البداءة{ لَكِنَّا هُوَ اللَّهُ رَبِّي} أي؛ لكن أنا أقول بخلاف ما قلت وأعتقد خلاف معتقدك{ هُوَ اللَّهُ رَبِّي وَلَا أُشْرِكُ بِرَبِّي أَحَدًا أي}؛ لا أعبد سواه، واعتقد أنه يبعث الأجساد بعد فنائها.

قال: [ ثانياً: استحباب قول من أعجبه شيء: ( ما شاء الله، لا قوة إلاّ بالله) فإنه لا يرى فيه مكروهاً إن شاء الله]، وهذه ما ننساها وقد بينتها لكم، فإذا دخلت منزلاً أو بستاناً أو داراً أو دكاناً أو رأيت سيارة أو رأيت إنساناً وأعجبك فقل: ما شاء الله، لا قوة إلا بالله، بل إن الإمام مالك يستحبها لكل من دخل بيته أن يقول هذه الكلمة، وهذا هو التوحيد، فما شاء الله كان وما لم يشأ لم يكن، ولا قوة على الخلق والإيجاد إلا بالله عز وجل، وهذا الاعتراف من العبد إلى العظيم. قال: [ ثالثاً: استجابة الله تعالى لعباده المؤمنين وتحقيق رجائهم فيه سبحانه وتعالى]، استجابة دعاء المؤمنين، فالله عز وجل يستجيب لعباده المؤمنين ويحقق رجاءهم فيه، وقد سمعتم كيف حقق الله رجاء هذا المؤمن، وكيف ذم أموال وبساتين ومياه ذلك الكافر، إذ إن المؤمن الصادق الإيمان إذا رجا من الله شيئاً وسأله فغنه يعطيه ولا يخيبه أبداً. قال: [ رابعاً: المخذول من خذله الله تعالى، فإنه لا ينصر أبداً]، فالمخذول من خذله الله، ومن خذله الله لا ينصر أبداً، إذ من ينصره؟ فإذا كان الله هو الناصر قد خذله يبقى من ينصره؟! تفسير: (ولولا إذ دخلت جنتك قلت ما شاء الله لا قوة إلا بالله). لو تجمع الدنيا كلها على نصرة من خذله الله والله ما ينتصر، ومعنى هذا أنه يجب أن نخاف من الله، وأن نرهبه، وأن نتحاشى ما يغضبه؛ خشية أن يسخط علينا ويخذلنا ويضلنا، ولنفزع إليه تعالى دائماً بالنصر فإنه هو الناصر الكريم، وقد رأينا كيف نصر الله المؤمن وخذل الكافر وحطمه.