تفسير سورة الجن للسعدي

لِنَفْتِنَهُمْ فِيهِ أي: لنختبرهم فيه ونمتحنهم ليظهر الصادق من الكاذب. وَمَنْ يُعْرِضْ عَنْ ذِكْرِ رَبِّهِ يَسْلُكْهُ عَذَابًا صَعَدًا أي: من أعرض عن ذكر الله، الذي هو كتابه، فلم يتبعه وينقد له، بل غفل عنه ولهى، يسلكه عذابا صعدا أي: شديدا بليغا. وَأَنَّ الْمَسَاجِدَ لِلَّهِ فَلا تَدْعُوا مَعَ اللَّهِ أَحَدًا أي: لا دعاء عبادة، ولا دعاء مسألة، فإن المساجد التي هي أعظم محال العبادة مبنية على الإخلاص لله، والخضوع لعظمته، والاستكانة لعزته، وَأَنَّهُ لَمَّا قَامَ عَبْدُ اللَّهِ يَدْعُوهُ أي: يسأله ويتعبد له ويقرأ القرآن كَاد الجن من تكاثرهم عليه أن يكونوا عليه لبدا، أي: متلبدين متراكمين حرصا على سماع ما جاء به من الهدى. قُلْ لهم يا أيها الرسول، مبينا حقيقة ما تدعو إليه: إِنَّمَا أَدْعُو رَبِّي وَلا أُشْرِكُ بِهِ أَحَدًا أي: أوحده وحده لا شريك له، وأخلع ما دونه من الأنداد والأوثان، وكل ما يتخذه المشركون من دونه. قُلْ إِنِّي لا أَمْلِكُ لَكُمْ ضَرًّا وَلا رَشَدًا فإني عبد ليس لي من الأمر ولا من التصرف شيء. القرآن الكريم - تفسير السعدي - تفسير سورة الجن - الآية 25. قُلْ إِنِّي لَنْ يُجِيرَنِي مِنَ اللَّهِ أَحَدٌ ( 22). أي: لا أحد أستجير به ينقذني من عذاب الله، وإذا كان الرسول الذي هو أكمل الخلق، لا يملك ضرا ولا رشدا، ولا يمنع نفسه من الله [ شيئا] إن أراده بسوء، فغيره من الخلق من باب أولى وأحرى.

  1. القرآن الكريم - تفسير السعدي - تفسير سورة الجن - الآية 25
  2. كلمات من نور .. موسوعة أًلًـقٌـرّأًنُ أًلًـكـرِيِم: تفسير السعدي سور ... (72) سورة الجنّ

القرآن الكريم - تفسير السعدي - تفسير سورة الجن - الآية 25

ومن هداية الآيات: ذم الطرق والأحزاب والخلافات، والله العظيم لا يحلُّ للمسلمين أن يعيشوا متفرقين مختلفين، هذا حرام، والله لا يجوز، ولكن من كاد لهم ومكر بهم؟ الثالوث الأسود المكون من المجوسية واليهودية والصليبية، فقد عرفوا أن المسلمين سادوا وعزوا وكملوا بالإسلام واتحدوا ثلاثة قرون، فقالوا: هيا نعمل على تمزيقهم وتفريقهم، فما هي إلا فترة وإذا بهم طوائف وقدد: هذا حنفي، هذا شافعي، هذا مالكي، هذا أهل السنة، والآخرون: هذا زيدي، هذا أباظي، هذا شيعي، هذا رافضي، هذا قدري، هذا مرجئ، وهكذا تمزقنا، مع أن أصل الوحدة موجود ألا وهو كتاب الله وسنة رسوله صلى الله عليه وسلم. وإلى الآن أقول: والله لو يجتمع علماء هذه الملل في الروضة أو في مكة، ويضعون كتبهم التي يعملون بها، وينظرون إليها، ويصححونها، ويجمعونها في كتاب واحد، وتوزع على المسلمين أمة واحدة، فلا مذهبية ولا طائفية أبداً، قال الله قال رسوله، فأيسر ما يكون الآن للعالم اتصل ببعضه البعض، وقبل كان صعب المشرق والمغرب بعيد عن بعضه البعض، الآن كأنهم في بيت واحد، ويصدر كتاب قانون الشريعة الإسلامية، يوزع في العالم الإسلامي، ويوضع كتاب كالمنهاج في الفقه يعمل به كله، ولكن مع الأسف الثالوث الأسود ما يرضى بهذا.

كلمات من نور .. موسوعة أًلًـقٌـرّأًنُ أًلًـكـرِيِم: تفسير السعدي سور ... (72) سورة الجنّ

قال: [رابعاً: تقرير أن الإنس والجن قد يكذبون على الله وما كان لهم ذلك]، من هداية الآيات: تقرير أن الإنس والجن قد يكذبون على الله تعالى، فالنصارى الآن يكذبون على الله تعالى، واليهود كذلك يكذبون على الله تعالى، وبعض الجهال والتائهين من المسلمين بلا علم ولا معرفة يكذبون على الله فينسبون إليه أشياء وهو بريء منها. قال: [خامساً: حرمة الاستعانة بالجن والاستعاذة بهم؛ لأن ذلك كالعبادة لهم]، من هداية الآيات: حرمة الاستعانة بالجن والتعوذ بهم وطلب العون منهم، إذ إن ذلك يعتبر عبادة لغير الله تعالى، وبالتالي فلا يحل لمؤمنٍ أن يستعيذ بهم، فلو جاءك جني وكلمك فلا تقل: أعطني كذا، أو افعل لي كذا، وللأسف نجد الضلال عندنا يقولون: جاءني الجان وطلب مني كذا وفعلت، وينسبون الكذب إلى الجن والعياذ بالله تعالى، وعلى كل فالآية تقرر أنه لا يجوز لمسلم من الإنس أو الجن أن يستعين بالجن، وذلك بأن يطلب منهم عوناً، بل حتى لو طلب منهم كأساً من الماء فلا يجوز.

{ حَتَّى إِذَا رَأَوْا مَا يُوعَدُونَ} أي: شاهدوه عيانا، وجزموا أنه واقع بهم، { فَسَيَعْلَمُونَ} في ذلك الوقت حقيقة المعرفة { مَنْ أَضْعَفُ نَاصِرًا وَأَقَلُّ عَدَدًا} حين لا ينصرهم غيرهم ولا أنفسهم ينتصرون، وإذ يحشرون فرادى كما خلقوا أول مرة.