جريدة الرياض | أفراح النعيم والمطلق

في الثامنة عشرة من عمره، ودّع الفتى مسقط رأسه، وشد الرحال إلى الظهران، عاملاً في محطة بنزين، ثم في أرامكو، قبل أن يعود إلى عنيزة، ليتزوج، ويعمل مدرساً، ثم وكيلاً لثانوية عنيزة، ثم وكيلاً لإحدى مدارس جدة. ثم انتقل إلى الرياض، وفي ذهنه أن يتعلم، حتى يبلغ أقصى ما يمكنه بلوغه من الشهادات العلمية. لكن البلاد، في تلك الأيام، كانت في بدايات نهضتها التنموية، وكانت في حاجة إلى كل من يمكن الاعتماد عليهم، في تسيير شؤون الإدارات الحكومية المختلفة، فوجد النعيم نفسه، مديراً لمعهد المعلمين بالرياض، ثم مديراً عاماً لتعليم مدينة الرياض، وابن عنيزة الشاب، كان موظفاً كفؤاً، يقول للمتاعب: تعالي! Browsing by person"عبدالله العلي النعيم (امين مدينة الرياض)". فأنا لك! ويجابهها بما أوتي من قوة، وما وُهب من جَلَد. وكان في الأحساء معهد علمي، قررت وزارة المعارف، أن تغلقه، وتجعله مدرسة ثانوية، فالتحق النعيم، وهو في منصبه ذلك، بتلك الثانوية في الأحساء، منتسباً، حتى نال الشهادة الثانوية، وكان بوسعه، أن يلتحق بالثانوية في الرياض، أو عنيزة، لكن نزاهته أبت عليه أن ينال الشهادة من جهة تقع تحت نفوذه! كان الدكتور عبدالعزيز الخويطر، وكيلاً لجامعة الملك سعود، وطلب من عبدالله النعيم أن يترك إدارة التعليم، ويعمل أميناً عاماً مساعداً بالجامعة، فصار النعيم يعمل بالجامعة بعد الظهر، إضافة لعمله في إدارة التعليم صباحاً!

Browsing By Person"عبدالله العلي النعيم (امين مدينة الرياض)"

ولد في عنيزة 1348 هـ.. والدته سلمى بنت عبدالله الحسن النعيم التي منحته حباً خاصاً ، لأنه اكبر أولادها ، وكانت تصفه بجمارة كبدها ولعبدالعزيز علاقة وثيقة بشقيقة عبدالله (معالي الأمين) البارع في النحو حتى سمي سيبويه. هاجر جدّه لأمه إلى الأردن ، حيث ولدت أمه ، نشأت في البلقاء ،وتأثرو جميعاً ببادية الأردن وعاداتها في اللباس واكتسبت والدته الصفات العنيزاوية فغدت كأي امرأة فيها. ثمّ انتقل النعيم إلى الرياض وأكمل دراسته الثانوية ، وكان هدفه أن يدرس الحقوق وبعد أن تخرج أكمل دراسته الماجستير وحين عاد إلى المملكة درّس في الجامعة ، واستثمر وقته الزائد بتعلّم اللغة الانجليزية في دوورات يقيمها معهد الإدارة العامة بعد أن نصحه بها صديقه الوزير د. مطلب النفيسة نائب رئيس المعهد الأدارة آنذاك ، وصرف د. النعيم بعض الوقت في القرادة حتى كوّن مكتبة كبيرة ، ومن طلابه في الجامعة حينذاك الوزيران د. ابراهيم العساف و د. جبارة الصريصري. توقيع من عبدالله العلي النعيم - مدوَّنة أحمد بن عبدالمحسن العسَّاف. وله تجربة في هيئة الخبراء بمجلس الوزراء أو مجلس الشورى. ومن وفائه لزوجته الاولى الراحلة أن بنى لها مجمعاً كبيراً فيه مسجد ومباني خدمية ، واختار حروف لوحة سيارته «حصة» على اسمها كذلك.

عبدالله العلي النعيم.. الأمين الأمين - صحيفة الاتحاد

وفي المدرسة شاكسه الطلبة بالحصى وحرف الواو المعكوسة وبيع العيش؛ بيد أنه تحمّل هذا الشغب منهم مما يدل على نفس رضيّة، واسعة الأفق، رخيّة البال، يصعب أن تُستزل أو تُستنزل من علياء السمو الخلقي، وتلك سجيّة ظلت مترافقة مع الرجل الذي قدر له أن يعمل في مصالح الناس ويواجه مشكلاتهم عبر بابه المفتوح في وظائفه الرسمية وأنشطته التطوعية، لدرجة أنه أجاب على من خوّفه من مغبة التعلّق بعنقه في يوم القيامة بأنه لن يجد موضعًا! ويا ربِّ سلّمنا وسلّمه ومن يقرأ بعفوك ثمّ بحسن الأداء أو بسرعة القضاء، واجعل هذه الصبغة المحببة سمة فيمن يتعرض للشأن العام بعيدًا عن العبوس والغلظة. عبدالله العلي النعيم.. الأمين الأمين - صحيفة الاتحاد. كما حدثت له إبان مزاولته لمهنة التعليم بعنيزة إشكالات متنوعة أشار لها في الكتاب دونما توسع أو إسهاب، وعلى إثرها تقرر أن يُغادر مدينته إلى جدة، ولربما أن هذا القضاء الذي تكرهه النفس حال وقوعه خاصة حينما يكون بلا جناية أو ذنب، أو يتضمن الإقصاء عن مغاني الصبا ومجامع الأهل والخلان، يخفي وراءه من الخيرات ما لا يمكن تصوره حين وقوعه، وأسرار أقدار العليم الحكيم خفيّة لا تدركها عقول البشر، وعصيّة على الاستشراف والتحليل. أما خلال وجوده في بلدته فقد شارك في افتتاح النادي الثقافي الأول فيها، وأنشأ مع رفاقه المكتبة الأولى في عنيزة وفي جوارها النجدي، وأقاموا مدرسة مجانيّة لتعليم الكبار ومقاومة الأميّة من تلقاء أنفسهم، وإن المبادرة، وتحمّل المسؤولية، وخدمة المجتمع، لمن دلائل النضج المبكر، وما أحوجنا للمبادِر شريطة أن يكون أهلًا لحمل المسؤولية، وأن ترنو غاياته صوب المصالح المشتركة دون خبايا فردية أو فئوية؛ ولذلك استقبلته الحشود في المطار بعد عودته من أول غيبة عن بلدته الجميلة عنيزة باحتفاء وسرور.

عبدالله العلي النعيم - مكتبة نور

وفي الكتاب مواقف متعددة تؤكد تلك الصفات، ومواقف طريفة تحقق أحياناً الأهداف التي يسعى إليها لمصلحة العمل. كان له نمطه الإداري الخاص، يهمه الإنجاز وعدم التأخير حتى لو تطلب الأمر أن يقوم بالمهمة بنفسه كما يفعل في مناقشة ميزانية البلدية مع وزارة المالية. كتاب (بتوقيعي) هو نتاج تجربة طويلة حافلة بالمسؤوليات والتحديات والإنجازات في أجهزة متعددة. كان نجاحه في أحدها يؤدي إلى تكليفه بقيادة جهاز آخر يحتاج إلى تطوير. اقرأ معي هذا الجزء من الكتاب "استدعاني خادم الحرمين الشريفين الملك سلمان حفظه الله –أمير الرياض آنذاك– فقال لي: أنت نجحت في الغاز، ونحن أمام مشكلة في الأمانة ونحتاج إلى شخص شجاع مثلك. ثم استدعاني المرحوم سمو الأمير ماجد وقال لي ذلك. وعندما صدر قرار مجلس الوزراء بتعييني أميناً لمدينة الرياض، قابلت المرحوم الملك فهد، لأشكره على ذلك، فقال لي بالحرف الواحد (ورطوك، ولكن لا تخف نحن معك) فقلت له بعون الله ثم بعونك أنت سوف يعينني الله، وأرجو أن أوفق". نقلت ما سبق نصاً للإشارة الى متابعة القيادة لأداء المسؤولين وحرصهم على استقطاب الكفاءات، ولا يكتفون بتكليف المسؤول بل يدعمونه كي ينجح ويحقق الأهداف لخدمة المصلحة العامة.

توقيع من عبدالله العلي النعيم - مدوَّنة أحمد بن عبدالمحسن العسَّاف

فكم من فكرة رائدة ورائعة انتظرت طويلا لمبادر مثل مبادرات الشيخ عبد الله النعيم ليجعلها واقعا بعد ما كانت أمنية. وعند مطالعة بسيطة لسيرة العلم عبد الله النعيم نلاحظ وبوضوح تأصل فكر التطوع وعمل الخير والذي أعطاه لأولاده لأنهم ببساطة تربوا ومنذ نعومة أظفارهم على مشاهدة العمل الخيري يتمثل شاخصاً يمثل طموحاً وهدفاً لوالدهم أبو علي. وكذلك من والدتهم الحنون أم علي السيدة الفاضلة حصة الصالح الراجحي حفظها الله وأمدها بالصحة والعافية فقد كانت نعم العون والنصير والملهم لشيخنا الفاضل وأسرته الكريمة. فهذه ابنة معالي الشيخ عبد الله الأستاذة الجامعية والمؤرخة المعروفة البروفيسورة نورة قامت مؤخرا مع كريمتيها لمياء ونجلاء ببناء مدرسة متوسطة في أحد أحياء عنيزة لتحمل اسم زوجها ووالد ابنتيها الراحل الأستاذ صالح العبد الله النعيم - رحمه الله - لتخلد ذكراه، ولتكون بإذن الله علماً ينتفع به إلى قيام الساعة، وكذلك لتكون نبراساً للآخرين وقدوةً لهم بأن العمل الخيري لا تحده حدود وليس مرتبطا بالدعم الحكومي فقط. وهذه ابنته الأستاذة الدكتورة لولوة وهي البروفيسور في طب النساء والولادة ومن أمهر الطبيبات السعوديات، ولم يعرف عنها الثراء غير راتب العمل الذي تتقاضاه من عرق جبينها وتعبها وسهرها لمعالجة مريضة أو سقيمة، هاهي الدكتورة لولوة تبني مدرسة باسمها في حي شعبي في مسقط رأسها عنيزة ليعطى بعد تشييده لإدارة التربية والتعليم، ولو رغبت لبنت مدرسة خاصة أهلية للتعليم المدفوع، ولكن وراثة الطيبة والبذل وإنكار الذات ورثته من والدها الشيخ ووالدتها.

وأضاف: «الشيخ عبدالله النعيم دائمًا سباق لأي عمل يخدم الجمعية، سواء بالدعم المادي، أو الدعم المعنوي؛ فهو حريص كل الحرص على أن يبقى هذا الصرح معلمًا بارزًا، وأن يكون تحت مظلته العديد من المراكز والمناشط التي تخدم أبناء المنطقة أو الزائرين لمحافظة عنيزة».