محمد رشيد رضا

من الانصاف أن نقول إن هذا الارتباط لم يكن إلا أمرا شبه عادي يمثل مرحلة من مراحل نشاطه السياسي، ومن العجيب أن بدايات الجانب السياسي في حياته أصبح غير معروف، بل أصبح مجهولا تماما. عودته الأولى إلى دمشق بعد عشر سنوات من هجرته إلى القاهرة، عاد الشيخ محمد رشيد رضا إلى دمشق (1908) عقب إعلان الدستور العثماني، الذي كان تمهيدا غير متوقع للانقلاب العسكري في 1909 لكنه لم يلبث أن رجع إلي مصر. عاد الشيخ محمد رشيد رضا إلي القاهرة وأنشأ مدرسة الدعوة والإرشاد، ونجح منذ ذلك الحين في أن يؤسس بالثقافة الدينية المحافظة جيلا من العلماء حذوا حذوه، وقد رحل إلي الهند والحجاز، واتصل بالحكومة الهاشمية في الحجاز، وطاف ببعض بلاد أوربا. عودته الثانية إلى دمشق وانتخابه رئيسا للمؤتمر السوري ارتبطت هذه العودة بقيام المملكة السورية 1920، وتولي الملك فيصل بن الحسين 1883-1933 الحكم في سوريا، فقد كان رشيد رضا نفسه من المجاهدين لتحرير الشام في دولة واحدة هي سوريا الكبرى، وانتُخب هو نفسه رئيسا للمؤتمر السوري في 1920 الذي كان بمثابة استنساخ ثقافي لفكرة الكونغرس الأمريكي. وإذن فإن رشيد رضا يملك في تاريخه أنه كان أول من انتخب ليكون بمثابة السياسي السوري الأول، وكأنه كان متهيئا لأن يكون واحدا ممن يناظرون أبرز الآباء المؤسسين في حالة الولايات المتحدة الأمريكية.

  1. الشيخ محمد رشيد رضا قباني
  2. محمد رشيد رضا قباني

الشيخ محمد رشيد رضا قباني

رهانه السياسي لم ينل الفوز لكن التجربة العربية في سوريا تعرضت للطغيان الفرنسي وواجهت القهر والتآمر الذي لم يسمح لها بالاستمرار في الحياة ولا في النمو، وهكذا فإنه اضطر لمغادرة دمشق (1920) علي إثر دخول جيوش الفرنسيين بالجبروت العسكري إليها. فضله في تفسير المنار كان محمد رشيد رضا هو من ألح على الأستاذ الإمام محمد عبده في كتابة تفسير عصري للقرآن الكريم، ثم كان هو من جمع دروس الشيخ محمد عبده وسجلها وأضاف إليها وعرضها على الأستاذ الإمام فراجعها وأقرّها ثم نشرها في المنار، وفيما بعد وفاة الأستاذ الإمام استكمل محمد رشيد رضا العمل بنجاح حتى كان من فضل الله عليه أنه وصل إلى تفسير قوله تعالى في سورة يوسف: (رَبِّ قَدْ آتَيْتَنِي مِنَ الْمُلْكِ وَعَلَّمْتَنِي مِنْ تَأْوِيلِ الْأَحَادِيثِ ۚ فَاطِرَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ أَنْتَ وَلِيِّي فِي الدُّنْيَا وَالْآخِرَةِ ۖ تَوَفَّنِي مُسْلِمًا وَأَلْحِقْنِي بِالصَّالِحِينَ). كان له مجده الخاص بعيداً عن تلمذته للأستاذ الإمام ننطلق بعد إثباتنا لهذه الحقيقة إلى إشارة أكثر أهمية وهي أن محمد رشيد رضا كان له مجده الخاص بعيداً عن تلمذته المخلصة للأستاذ الإمام، بل إننا سنفاجئ القارئ ونُثبت ما أشار إليه الدكتور محمد رجب البيومي بإنصافه المعروف [وهو أصلا أستاذ في الأدب والتفسير البياني للقران الكريم] من أن محمد رشيد رضا تفوق على أستاذه الإمام محمد عبده فيما أنجزه من تفسير القرآن الكريم المسمى بتفسير المنار.

محمد رشيد رضا قباني

بعد ذلك التقى بالشيخ محمد عبده في طرابلس، وتوثقت صلته به، كما أنه حاول الاتصال بالشيخ جمال الدين الأفغاني في الأستانة دون أن يتمكن من رؤيته. وفي العام 1898 رحل محمد رشيد رضا برفقة محمد عبدة إلى مصر، وهناك أقنع معلمه الشيخ محمد عبده بضرورة إنشاء صحيفة، وذلك نظرا للدور الكبير الذي تلعبه الصحافة في نشر الوعي بين الناس، فأطلق مجلة المنار في العام 1898، وكان الهدف الرئيسي من هذه المجلة الإصلاح الديني والاجتماعي، والتأكيد على أن الإسلام يتفق مع العقل والعلم. ولم يكتفِ بإنشاء المجلة، بل قام بإنشاء مدرسة دار الدعوة والإرشاد، وكان يهدف من خلالها لتخريج الدعاة المدربين لنشر الدين الإسلامي، وتم افتتاح هذه المدرسة في العام 1930. توفي الشيخ محمد رشيد رضا في الثاني والعشرين من آب ( أغسطس) عام 1935 عن عمر يناهز سبعين، وذلك أثناء عودته من السويس بعد أن قام بتوديع الأمير سعود بن عبد العزيز بن عبد الرحمن آل سعود، ليسدل الستار بوفاته على علم من أعلام النهضة العربية. أبرز أعماله: مجلة المنار؛ الخلافة؛ يسر الإسلام وأصول التشريع العام؛ محاورات المصلح والمقلد؛ شبهات النصارى وحجج الإسلام؛ نداء للجنس اللطيف؛ حقيقة الربا.

لم يكن أمام «محمد رشيد رضا» سوى الاستمرار في الدعوة إلى إقامة نظام دستوري شامل يُصلح ما أفسده رجال «السلطان عبد الحميد الثاني» في الولايات العثمانية المختلفة؛ فبينما يُصر السلطان ورجاله على بثِّ الفُرقة بين العرب والتُّرك، ونَشْر ألوان الاستبداد والظلم ومَنْع كل صاحب رأي أن يبوح بأفكاره وسط العامة، كان «رشيد رضا» يُصر من جهةٍ أخرى على أن يستمر في دعوته لإصلاحٍ سياسيٍّ ينتشل المسلمين مما وقعوا فيه مِن جَرَّاء السياسات الحميدية المُستبِدة. ويُمثل كتابُه هذا رسالةً خفية للباب العالي؛ يُبين فيها نظام الخلافة وأصولها وأحكامها، من شروط الخليفة وطُرق تَولِّيه وأشكال البَيعة والشورى وغيرها، ليُبيِّن للعامة عَوارَ النظام الحميدي وما وصلت إليه أوضاع الخلافة تحت سيطرته. ‎ هذه النسخة من الكتاب صادرة ومتاحة مجانًا من مؤسسة هنداوي بشكل قانوني؛ حيث إن نص الكتاب يقع في نطاق الملكية العامة تبعًا لقوانين الملكية الفكرية.