عائلة حميد الدين في السعودية

كلّ هذا، وحكومة علي عبد الله صالح لا تحرّك ساكناً لوقف ما يجري في عاصمة الزيديّة. سارت الأمور على هوى الوادعي الذي كان يرى ازدهار معهده وتوسّعهِ المطّرد وظنّ أنه قُضِي الأمر وأنّ أحداً لن يقدر على وقف الزحف الوهابي. وبعد ذلك كلّه، كان من الطبيعي إذن أن يظهر من يتصدّى للغزو الفكري السعودي ويدافع عن المذهب في وجه الغرباء الذين يحاولون تغيير البنية المذهبية للناس في صعدة وبقية اليمن. وهنا نهض بدر الدين الحوثي. كان السيّد بدر الدين الحوثي ينتمي إلى عائلةٍ عريقةٍ من أئمة الزيدية وفقهائها. وبحكم نسَبِه الذي يرجع إلى آل البيت، كان يحظى بمكانةٍ مرموقةٍ في أوساط الناس في صعدة، وفي اليمن عموماً. #حوثي_وسط_الرياض - الصفحة 8 - هوامير البورصة السعودية. وكان عالماً كبيراً وله كتبٌ كثيرةٌ في الفقه وأصول الدين والعلوم الشرعية. بدأ السيّد الحوثي في التصدي فكرياً للغزو الوهابي. فألّف "الإيجاز في الردّ على فتاوى الحجاز" و"من هم الوهابية" وغيرها من الكتب التي تردّ على تهجّمات الوهابيين ودعاياتهم. التفّ غالبية الناس في صعدة حول إمامهم ورأوا فيه منقذاً لهم من براثن السلفيين التكفيريين. ولكن سرعان ما بدأ السيّد الحوثي يتعرّض لمضايقاتٍ وتهديدات (ويُقال أنه تعرّض حتى لمحاولة اغتيال)، مما اضطرّه إلى مغادرة اليمن خوفاً على حياته.

#حوثي_وسط_الرياض - الصفحة 8 - هوامير البورصة السعودية

ذهب أولاً إلى السعودية التي سمحت له بالبقاء فيها 10 أيام غادر بعدها إلى الأردن ثم سوريا وأخيراً وصل إلى إيران سنة 1994 وبقي فيها لسنة ثم عاد إلى اليمن. لم يكن ذهاب السيّد بدر الدين الحوثي إلى إيران مستغرَباً، فهو في الواقع كان، من البداية، من المعجبين بالإمام الخميني، وله كلامٌ إيجابيٌّ جداً عنه وعن الثورة الإسلامية التي أطاحت بعرش الشاه في إيران. ومن البديهي أنّ فترة وجود السيّد الحوثي في إيران شهدت تعارفاً وتواصلاً بينه، كإمامٍ زيديّ، وبين فقهاء الإماميّة الإثني عشريّة، مما أدّى إلى مزيدٍ من التقارب والتفاهم بين المذهَبيْن الشيعيين. ولكنّ السيّد بدر الدين كان طاعناً في السن، وكان فقيهاً وعالماً قبل كل شيء. ولذلك، فإنّ قيادة الحركة الشعبية التي أطلقها انتقلت إلى ابنه الأكبر حسين، فيما اكتفى هو بدور الأب الروحي أو المرشد... يتبع

بعد انحسار النفوذ العثماني في أعقاب الحرب العالمية الأولى، وجدت الإمامة الزيدية في اليمن نفسها في صراعٍ مع الجار الشمالي الذي كان يسعى إلى الهيمنة، ويمرّ بحالةٍ من التوسّع المطّرد. بدأ الاستهداف السعودي الوهّابي لليمن عن طريق الحج. فقد قامت قواتٌ تابعةٌ لابن سعود بارتكاب مذبحةٍ كبيرة بحق قافلة الحجاج اليمنيين سنة 1923 في منطقة اسمها "وادي تنومة" أثناء سيرها إلى مكة، ووصل عدد الضحايا إلى ثلاثة آلاف. وسرعان ما تحوّل الاستهداف من تهديدٍ لخط سير الحجّاج إلى حملةٍ سياسيةٍ عسكريةٍ كبيرة. أراد عبد العزيز آل سعود، المسلّح بالحركة الوهابية في نجد، أن يبسط نفوذه على اليمن أيضاً ليكمل سيطرته على جزيرة العرب كلها. وأسفرت نتيجة الصراع الطويل بين السعودية (الوهابية) واليمن (الزيدية) عن نجاح الملك عبدالعزيز، المتفوّق عسكرياً، في انتزاع مناطق عسير ونجران وجيزان (وسكانها مزيجٌ من الشيعة الاسماعيلية والزيدية) من اليمن وضمّها إلى مملكته. اضطرّ الإمام يحيى حميد الدين على الموافقة وقبول "اتفاقية الطائف" سنة 1934 مع ابن سعود التي ثبتت الأمر الواقع ورسّخت ما حصل على الأرض من توسّعٍ سعوديٍّ في المناطق اليمنية، مقابل توقّف الزحف والهجمات السعودية على اليمن وضمان سلامة الحجاج.