ود كثير من أهل الكتاب

وهذا الذي يودّه الكثير من أهل الكتاب يكون إما برد أهل الإيمان إلى ما كانوا عليه من كفر قبل إيمانهم أو بالتشويش على دينهم الحق من خلال جعلهم تبعا لهم فيما يدينون به مما ابتدعوه من تلقاء انفسهم ، ولم ينزل به الله عز وجل من سلطان كأن يجعلوا المؤمنين يسايرونهم أو يجارونهم على سبيل المثل لا الحصر فيما يعتقدون من قبيل نسبة الولد لله تعالى عن ذلك علوا كبيرا أو ممارسة أفعال أو طقوس تتعلق بهذا الاعتقاد الفاسد الذي يفسد الإيمان بالله تعالى المنزه عن الولد. وإذا كان لهذا النص القرآني المحذر من كيد كثير من أهل الكتاب سبب نزول والوحي ينزل على رسول الله صلى الله عليه وسلم ، فإن الحكم المترتب عنه سائر المفعول إلى قيام الساعة ، ذلك أن هذه الكثرة منهم موجودة دائما وفي كل عصر ومصر ، ولن تتخلى أبدا عمّا تودّه من رد المؤمنين كفارا بعد إيمانهم ، وهي على يقين أنهم على حق ، وأنها على باطل. ود كثير من اهل الكتاب لو يردونكم. ومما يتعيّن على الأمة المؤمنة على الدوام إلى قيام الساعة أن تأخذ التحذير الإلهي من كيد كثير من أهل الكتاب على محمل الجد ، وألا تغفل عنه أو تستخف به أو تهوّن وتقلل من خطورته على إيمانها. وبعد ذلك التحذير مباشرة يقول الله عز وجل مخاطبا عباده المؤمنين: (( فاعفوا واصفحوا حتى يأتي الله بأمره إن الله على كل شيء قدير)).

  1. الجامع لأحكام القرآن/سورة البقرة/الآية رقم 109 - ويكي مصدر
  2. إعراب قوله تعالى: ود كثير من أهل الكتاب لو يردونكم من بعد إيمانكم كفارا حسدا الآية 109 سورة البقرة

الجامع لأحكام القرآن/سورة البقرة/الآية رقم 109 - ويكي مصدر

اهـ. والله أعلم.

إعراب قوله تعالى: ود كثير من أهل الكتاب لو يردونكم من بعد إيمانكم كفارا حسدا الآية 109 سورة البقرة

والود تقدم في الآية السالفة. وإنما أسند هذا الحكم إلى الكثير منهم وقد أسند قوله ما يود الذين كفروا من أهل الكتاب إلى جميعهم لأن تمنيهم أن لا ينزل دين إلى المسلمين يستلزم تمنيهم أن يتبع المشركون دين اليهود أو النصارى حتى يعم ذلك الدين جميع بلاد العرب فلما جاء الإسلام شرقت لذلك صدورهم جميعا فأما علماؤهم وأحبارهم فخابوا وعلموا أن ما صار إليه المسلمون خير مما كانوا عليه من الإشراك لأنهم صاروا إلى توحيد الله والإيمان بأنبيائه ورسله وكتبه وفي ذلك إيمان بموسى وعيسى وإن لم يتبعوا ديننا ، فهم لا يودون رجوع المسلمين إلى الشرك القديم لأن في مودة ذلك تمني الكفر وهو رضي به. وأما عامة اليهود وجهلتهم فقد بلغ بهم الحسد والغيظ [ ص: 670] إلى مودة أن يرجع المسلمون إلى الشرك ولا يبقوا على هذه الحالة الحسنة الموافقة لدين موسى في معظمه نكاية بالمسلمين وبالنبيء - صلى الله عليه وسلم - قال تعالى ألم تر إلى الذين أوتوا نصيبا من الكتاب يؤمنون بالجبت والطاغوت ويقولون للذين كفروا هؤلاء أهدى من الذين آمنوا سبيلا وفي هذا المعنى المكتنز ما يدلكم على وجه التعبير ب " يردونكم " دون لو كفرتم ليشار إلى أن ودادتهم أن يرجع المسلمون إلى الشرك لأن الرد إنما يكون إلى أمر سابق ولو قيل لو كفرتم لكان فيه بعض العذر لأهل الكتاب لاحتماله أنهم يودون مصير المسلمين إلى اليهودية.

(لَهُمُ) متعلقان بالفعل تبين. (الْحَقُّ) فاعل مرفوع. (فَاعْفُوا) الفاء الفصيحة اعفوا فعل أمر مبني على حذف النون والواو فاعل. (وَاصْفَحُوا) عطف على اعفوا. (حَتَّى) حرف غاية وجر. (يَأْتِيَ) فعل مضارع منصوب بعد حتى، والفاعل هو. ود كثير من أهل الكتاب لو يردونكم. (بِأَمْرِهِ) جار ومجرور متعلقان بالفعل يأتي وأن المضمرة والفعل بعدها في تأويل مصدر في محل جر بحتى. (إِنَّ اللَّهَ عَلى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ) ينظر الآية 20. الصور البلاغية و المعاني الإعرابية للآية 109 - سورة البقرة ﴿ تفسير التحرير و التنوير - الطاهر ابن عاشور ﴾ مناسبته لما قبله أن ما تقدم إخبار عن حسد أهل الكتاب وخاصة اليهود منهم ، وآخرتها شبهة النسخ ، فجيء في هذه الآية بتصريح بمفهوم قوله: { ما يود الذين كفروا من أهل الكتاب} [ البقرة: 105] الآية لأنهم إذا لم يودوا مجيء هذا الدين الذي اتبعه المسلمون فهم يودون بقاء من أسلم على كفره ويودون أن يرجع بعد إسلامه إلى الكفر. وقد استطرد بينه وبين الآية السابقة بقوله: { ما ننسخ} [ البقرة: 106] الآيات للوجوه المتقدمة ، فلأجل ذلك فصلت هاته الجملة لكونها من الجملة التي قبلها بمنزلة البيان إذ هي بيان لمنطوقها ولمفهومها. وفي «تفسير ابن عطية» و«الكشاف» و«أسباب النزول» للواحدي أن حذيفة بن اليمان وعمار بن ياسر أتيا بيت المدراس وفيه فنحاص بن عازوراء وزيد بن قيس وغيرهما من اليهود فقالوا لحذيفة وعمار: «ألم تروا ما أصابكم يوم أحد ولو كنتم على الحق ما هزمتم فارجعوا إلى ديننا فهو خير ونحن أهدى منكم» فردا عليهم وثبتا على الإسلام.