وما تدري نفس ماذا تکسب غدا

فإذا كنت لا تدري بأي أرض تموت، وأنت يمكنك أن تذهب يمينًا وشمالًا، فكذلك لا تعلم متى تموت، لا تدري في أي وقت تموت، هل ستموت في الصباح، في المساء، في الليل، في وسط النهار؟ لا تدري، في الشهر القريب، في الشهر البعيد؟ لا تدري، لا تدري متى تموت، ولا بأي أرض تموت. فإذا كنت كذلك؛ فأقصر الأمل، لا تمدَّ الأمل طويلًا، لا تقل: أنا شاب وسوف أبقى زمانًا طويلًا؛ فكم من شابٍّ مات في شبابه، وكم من شيخ عمِّر، ولا تقل: إني صحيح البدن والموت بعيد؛ فكم من إنسان مرض بمرض يهلكه بسرعة، وكم من إنسان حصل عليه حادث، وكم من إنسان مات بغتة؛ لذلك لا ينبغي للإنسان أن يطيل الأمل؛ بل عليه أن يعمل، وللدنيا عملها، وللآخرة عملها، فيسعى للآخرة سعيها بإيمان بالله عزَّ وجلَّ واتكال عليه. وقد قال تعالى: ﴿ فَإِذَا جَاءَ أَجَلُهُمْ لَا يَسْتَأْخِرُونَ سَاعَةً وَلَا يَسْتَقْدِمُونَ ﴾ [الأعراف: 34]، إذا جاء أجل الإنسان لا يمكن أن يتأخَّر ولا دقيقة واحدة، ولا يمكن أن يتقدم؛ بل هو بأجل معدود محدود، لا يتقدم عليه ولا يتأخر، فلماذا تجعل الأمل طويلًا؟ فالإنسان لا يعلم متى يموت، ولا يعلم بأي أرض يموت، وقد حدَّثني أحد إخواني الثقات قال: إنهم كانوا في سفر الحج على الإبل، وكان معهم رجلٌ معه أمُّه يمرِّضها، فتأخَّر عن القوم في آخر الليل، فارتحل الناس ومشوا، وبقي مع أمه يمرضها، ولما أصبح وسار خلف القوم لم يدركهم، ولم يدرِ إلى أين اتجهوا؛ لأنهم في مكة.

وما تدري نفس ماذا تَكْسِبُ غدا

‏ ‏ {‏وَمَا تَدْرِي نَفْسٌ بِأَيِّ أَرْضٍ تَمُوتُ إِنَّ اللَّهَ عَلِيمٌ خَبِيرٌ‏} ‏‏. ‏ هذه مفاتح الغيب التي لا يعلمها إلا الله ـ عز وجل ـ‏. ‏ والله أعلم وصلى الله وسلم على نبينا محمد وآله وصحبه أجمعين‏. ‏

وما تدري نفس ماذا تكسب

لنرجع إلى الآية قوله تعالى: { إِنَّ ٱللَّهَ عِندَهُ عِلْمُ ٱلسَّاعَةِ} أي أنَّ علمَ وقتِ الساعة مختص بالله سبحانه فلا يعلم أحدٌ بوقتها سواه تعالى لا مَلَكٌ مقرّب ولا نبيٌ مرسل، كما قال تعالى: { يَسْـئَلُكَ ٱلنَّاسُ عَنِ ٱلسَّاعَةِ قُلْ إِنَّمَا عِلْمُهَا عِندَ ٱللَّهِ} وقال في موضع آخر: { لاَ يُجَلّيهَا لِوَقْتِهَا إِلاَّ هُوَ}. خطبة حول حديث (مِفْتَاحُ الْغَيْبِ خَمْسٌ لاَ يَعْلَمُهَا إِلاَّ اللَّهُ) - خطب الجمعة - حامد إبراهيم. ونحن نعلم أن الله تعالى بعد خَلقِهِ للسموات والأرض خلق الصور فأعطاه إسرافيل عليه السلام فوضعه على فمه وشخص ببصره إلى العرش ينتظر متى يؤمر بالنفخ فيه, فإذا كان إسرافيل المَلك المكلَّف بالنفخ بالصور إيذاناً ببدء القيامة لا يعرف موعدها، إذا كان هذا هو حاله فكيف بأي منجم أو دجال أو أفاك أو أي حضارة قديمة أو حديثة تقول: إن الساعةَ ستقوم في يوم كذا في شهر كذا في عام كذا أو نهايةَ العالم في يوم كذا في تاريخ كذا كلها والله أكاذيبٌ ودَجَل. قوله تعالى:{ وَيُنَزّلُ ٱلْغَيْثَ} يختصّ الله تعالى بمعرفة وقتِ إنزال المطر ومكانه المعيّن. أما نشرة الأرصاد الجوية في أيامنا فتعتمد على بعض الحسابات, وما ترصده بعض الأجهزة المخصصة لمعرفة نسبة الرطوبة وسرعة الرياح فليس ذلك غيباً. هو تخمينٌ وظن.

وما تدري نفس ماذا تكسب غدا و بأي أرض تموت

وجملة القول: إن علم الله من نفسه غير مكتسب من غيره ولا متوقف على أسباب وتجارب، وأنه يعلم ما كان وما سيكون، وأنه لا يشوب علمه غموض ولا يتخلف، وأنه عام شامل لجميع الكائنات تفصيلاً جليلها ودقيقها بخلاف علم غيره سبحانه وتعالى. القران الكريم |إِنَّ اللَّهَ عِنْدَهُ عِلْمُ السَّاعَةِ وَيُنَزِّلُ الْغَيْثَ وَيَعْلَمُ مَا فِي الْأَرْحَامِ ۖ وَمَا تَدْرِي نَفْسٌ مَاذَا تَكْسِبُ غَدًا ۖ وَمَا تَدْرِي نَفْسٌ بِأَيِّ أَرْضٍ تَمُوتُ ۚ إِنَّ اللَّهَ عَلِيمٌ خَبِيرٌ. أقول قولي وأستغفر الله لي ولكم ا لخطبة الثانية ( مِفْتَاحُ الْغَيْبِ خَمْسٌ لاَ يَعْلَمُهَا إِلاَّ اللَّهُ) ومما يرشد إليه هذا الحديث الشريف ، ومما نستخلصه من أحكام: – لا أحد يعلم الغيب إلا الله. – وبطلان كل علم يدعي صاحبه من خلاله معرفة الغيب كالتنجيم والكهانة. – ولا يفهم من الآية والحديث أن أمور الغيب محصورة في هذه الأمور الخمسة، وإنما خصت هذه الأمور الخمسة بالذكر دون غيرها من المغيبات، لتعلقها بأمور الإنسان واختصاصها به، منذ كان جنيناً إلى ساعة ومكان موته، إلى قيام الساعة التي يجهل وقوعها، – وأن الغيب قسمان: غيب كلي وهو ما لا يعلمه إلا الله وحده كالخمس المذكورة في الآية والحديث، وغيب جزئي: وهو ما غاب عن شخص دون غيره، فما يراه شخص في مكان ما هو غيب عمن غاب عن ذلك المكان. – وأن وقت قيام القيامة مما اختص الله بعلمه فلا يعلم أحد زمن وقوعها، وفي الصحيحين عندما سأل جبريلُ – عليه السلام – النبي – صلى الله عليه وسلم – عن الساعة قَالَ: « مَا الْمَسْئُولُ عَنْهَا بِأَعْلَمَ مِنَ السَّائِلِ » أي أنا وإياك في الجهل بزمن وقوعها سواء.

ثم منعهم سبحانه وتعالى علم ما سوى ذلك -أي علم ما سوى ما ينفعهم- مما ليس في شأنهم ولا فيه مصلحة لهم ولا نشأتهم قابلة له، كعلم الغيب وعلمِ ما كان وكلّ ما يكون، والعلم بعدد القطر وأمواج البحر وذرات الرمال ومساقط الأوراق وعدد الكواكب ومقادِيرها. وعلمِ ما فوق السموات وما تحت الثرى، وما في لجج البحار وأقطار العالم، وما يُكِنُّه الناس في صدورهم، وما تحمل كل أنثى وما تغيض الأرحام وما تزداد، إلى سائر ما عزب عنهم علمه، فمن تكلف معرفة ذلك فقد ظلم نفسه وبخس من التوفيق حظه، ولم يحصل إلا على الجهل المركب والخيال الفاسد في أكثر أمره". وقد أثار المشككون الشغب حول تفسير علم ما في الأرحام بعمومه على أنه أحد الغيوب الخمس التي لا يعلمها إلا الله، وقالوا لقد بات العلماء يعرفون ما في الأرحام من ذكورة الجنين أو أنوثته، والتشوهات الخلقية فيه، وهو في بطن أمه بأجهزة التصوير والتحاليل الدقيقة! وما تدري نفس ماذا تکسب غدا. وأصبح في مقدور العلماء إنزال المطر من السحب، بواسطة بعض التقنيات العلمية! فأثاروا البلبلة في أذهان الكثيرين من العوام، وعند غير الراسخين في العلم بهذا الموضوع!