إسلام ويب - تفسير الكشاف - سورة الزمر - تفسير قوله تعالى وينجي الله الذين اتقوا بمفازتهم لا يمسهم السوء ولا هم يحزنون- الجزء رقم5

وينجي الله الذين اتقوا بمفازتهم لا يمسهم السوء ولا هم يحزنون قرئ: (ينجي) و (ينجي) "بمفازتهم" بفلاحهم، يقال: فاز بكذا إذا أفلح به وظفر بمراده منه. وتفسير المفازة قوله: لا يمسهم السوء ولا هم يحزنون كأنه قيل: ما مفازتهم؟ فقيل: لا يمسهم السوء، أي ينجيهم بنفى السوء والحزن عنهم. أو بسبب منجاتهم، من قوله تعالى: فلا تحسبنهم بمفازة من العذاب [آل عمران: 188] أي بمنجاة [ ص: 318] منه; لأن النجاة من أعظم الفلاح، وسبب منجاتهم العمل الصالح; ولهذا فسر ابن عباس رضي الله عنهما المفازة بالأعمال الحسنة، ويجوز: بسبب فلاحهم; لأن العمل الصالح سبب الفلاح وهو دخول الجنة. القرآن الكريم - تفسير البغوي - تفسير سورة الزمر - الآية 61. ويجوز أن يسمى العمل الصالح في نفسه: مفازة; لأنه سببها. وقرئ: (بمفازاتهم) على أن لكل متق مفازة. فإن قلت: لا يمسهم ما محله من الإعراب على التفسيرين؟ قلت: أما على التفسير الأول فلا محل له; لأنه كلام مستأنف. وأما على الثاني فمحله النصب على الحال.

  1. القرآن الكريم - تفسير البغوي - تفسير سورة الزمر - الآية 61

القرآن الكريم - تفسير البغوي - تفسير سورة الزمر - الآية 61

أي: أتامروني أن أعبد غير الله، أيخطر في بال إنسان عاقل أن نبياً جاء يأمركم بالتوحيد وبالقضاء على الأوثان والأصنام، يعبد آلهتكم التي نهاكم عن عبادتها، ألهذه الدرجة ضاعت عقولكم وجننتم؟ فقوله: (تأمروني) مخففة النون، وقرئت بالتشديد عوضاً عن النون، وأصلها: تأمرونني، وكل ذلك فصيح في لغة العرب التي بها نزل القرآن. فقوله تعالى: قُلْ أَفَغَيْرَ اللَّهِ تَأْمُرُونِي أَعْبُدُ أَيُّهَا الْجَاهِلُونَ ، أي: أتنتظرون مني أن أعبد غير الله كيف ذلك؟! أضاعت عقولكم أجننتم؟ تفسير قوله تعالى: (ولقد أوحي إليك وإلى الذين من قبلك لئن أشركت ليحبطن عملك... ) قال تعالى: وَلَقَدْ أُوحِيَ إِلَيْكَ وَإِلَى الَّذِينَ مِنْ قَبْلِكَ لَئِنْ أَشْرَكْتَ لَيَحْبَطَنَّ عَمَلُكَ وَلَتَكُونَنَّ مِنَ الْخَاسِرِينَ [الزمر:65]. أي: لقد أوحينا إليك وإلى من سبقك: لئن اتخذتم مع الله شريكاً ليحبطن أعمالكم، فيحبط عملك يا محمد كما حبط عمل غيرك ممن أشركوا بالله. قال تعالى: وَلَتَكُونَنَّ مِنَ الْخَاسِرِينَ ، الذين خسروا حياتهم ودنياهم وأخراهم ورسالتهم، قال هذا خطاباً لنبي الله، ولكن الأنبياء معصومون عن الكبائر فضلاً عن الشرك، فهذا القول إخبار لنا بأن الشرك يحبط الأعمال؛ لأن الله أمرنا بالتوحيد وجميع الأنبياء السابقين، فأنذرهم إن هم أشركوا مع الله أن تحبط أعمالهم وتترك وتكون كلها ضائعة ويكونوا من الخاسرين.

تفسير قوله تعالى: (له مقاليد السماوات والأرض... ) قال تعالى: لَهُ مَقَالِيدُ السَّمَوَاتِ وَالأَرْضِ وَالَّذِينَ كَفَرُوا بِآيَاتِ اللَّهِ أُوْلَئِكَ هُمُ الْخَاسِرُونَ [الزمر:63]. المقاليد: المفاتيح، أي: له مفاتيح خزائن السماوات والأرض، فله مخازن الخير من السماء بالأمطار والغيث، وله مخازن الأرض ومفاتيحها بالنبات والإنبات، كما أن في طيها كنوزاً وخيرات، فالله بيده المفاتيح وله المخازن وهو خالقها، يعطي من يشاء مقدراً، ويعطي من يشاء بغير حساب ويرزق من يشاء ويبسط له. ويقول بعض المفسرين: إن كلمة (مقاليد) أصلها فارسي، وهذا قول صدر منه دون تفكر ولا تمعن، لأنه ليس في القرآن إلا الكلام العربي مفرداتٍ وجملاً، فهو كلام عربي أنزله الله على نبي عربي، وهذا المعنى طالما تصدى له الإمام الشافعي في كتابه الرسالة بأدلة وقوارع لا تقبل جدلاً، ولا نقضاً. وكون الكلمة توجد في القرآن ولها ما يشبهها في لغات أخرى ليس ذلك دليلاً، ولم لا نقول: تلك اللغات أخذت عن لغة العرب؟ أو أن هذه الكلمات تشابهت في لغات مختلفة، وهذا كثير في اللغات، وأصلها من لغة واحدة، ثم خلق منها زوجها، ثم بث منهما رجالاً كثيراً ونساء، ثم تبدلت اللغات وتكاثرت حسب الحاجة والمصلحة للناس.