سؤال: أوصانا النبي صلى الله عليه وسلم وحثنا بوسائل شتى على الصلاة والسلام عليه، فكيف نفهم هذه الوصية؟ وكيف ننفذ هذا الأمر؟ الجواب: حثنا النبي صلى الله عليه وسلم -كما ورد في السؤال- على الصلاة والسلام عليه في كثير من أحاديثه المباركة، ومن ذلك قوله: "إِنَّ أَقْرَبَكُمْ مِنِّي يَوْمَ الْقِيَامَةِ فِي كُلِّ مَوْطِنٍ أَكْثَرُكُمْ عَلَيَّ صَلَاةً فِي الدُّنْيَا" [1] ، وفي حديث آخر: "إِنَّ الْبَخِيلَ مَنْ ذُكِرْتُ عِنْدَهُ فَلَمْ يُصَلِّ عَلَيَّ" [2]. وفي أحاديث أخرى يعلّمنا رسول الله صلى الله عليه وسلم كيفية الصلاة عليه؛ ومن ذلك قوله صلى الله عليه وسلم: "مَنْ قَالَ حِينَ يَسْمَعُ النِّدَاءَ: اللَّهُمَّ رَبَّ هَذِهِ الدَّعْوَةِ التَّامَّةِ، وَالصَّلَاةِ القَائِمَةِ آتِ مُحَمَّدًا الوَسِيلَةَ وَالفَضِيلَةَ، وَابْعَثْهُ مَقَامًا مَحْمُودًا الَّذِي وَعَدْتَهُ؛ حَلَّتْ لَهُ شَفَاعَتِي يَوْمَ القِيَامَةِ" [3]. والمقام المحمود الذي وعد الله به نبينا صلى الله عليه وسلم هو المقام الذي ورد ذكره في سورة الإسراء، يقول تعالى: ﴿عَسَى أَنْ يَبْعَثَكَ رَبُّكَ مَقَامًا مَحْمُودًا﴾ (سورة الإِسْرَاءِ: 17/79)، وقد ذكر النبيُّ صلى الله عليه وسلم أن هذا المقام هو مقام الشفاعة؛ أي إن الرسول صلى الله عليه وسلم عندما يحثُّنا على الصلاة والسلام عليه فإنما يريد بذلك الوسيلة التي تمكّنه من أن يمدّ يد العون إلينا وإلى جميع الإنسانية في الآخرة؛ فهو هنا لا يفكّر في نفسه، بل يفكر في أمّته وفي جميع الإنسانية، ويرجو سعادتهما.
[٦] شاركته الحصار حاصر كفار قريش المسلمين و بني هاشم جميعا -مؤمنهم وكافرهم- في شِعب أبي طالب مدة ثلاث سنين، فمنعوا أن يصل إليهم الطعام والشراب، ومنعوا أن يبيعهم أحد أو يشتري منهم، أو يزوجهم أو يتزوج منهم، وكتبوا ذلك في كتاباً علقوه في الكعبة، فتأثّر المحاصرون وبلغ ذلك منهم الجهد حتى أكلو ورق الشجر، ولم يكن يُسمع في الشعب غير صياح الأطفال من شدَّة الجوع والألم. [٧] ولم يكن يصلهم الطعام إلا خفية، وممن كان يصلهم بالطعام حكيم بن حزام بن خويلد ابن أخ السيدة خديجة -رضي الله عنها-، وقد اعترضه مرة أبو جهل، لولا تدخل أبو البختري قائلا: إن هذا طعام لعمته عنده ويبعثه لها، وكان أبو البختري من الذين يبعثون الطعام سرأ وممن شاركوا في فك الحصار. [٨] وهنا شاركت سيدتنا خديجة -رضي عنها- النبي -صلى اللهُ عليه وسلم- والمسلمين هذا الحصار، راضيةً محتسبةً، وفي السَّنة التي خرجوا فيها من الشِّعب توفِّيت -رضي الله عنها-. [٩] ساندته بالمال كانت السيدة خديجة -رضي الله عنها- ذات مالٍ وغنى، عمل رسول الله -صلى الله عليه وسلم- في تجارتها، وقد أنفقت من مالها لمساندة النَّبيِّ -عليه الصلاة والسلام- والإسلام، وقد صحَّ عن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- من حديث عائشة -رضي الله عنها- في وصف خديجة -رضي الله عنها- أنَّه قال: (واسَتْني بمالِها إذ حرَمَني الناسُ).
نتائج السقيفة 08:27 PM 24 / 4 / 2022 44 المؤلف: المجمع العالمي لأهل البيت ( ع) - لجنة التأليف المصدر: أعلام الهداية الجزء والصفحة: ج 2، ص130-131 نجح أبو بكر وحزبه في مواجهة الأنصار والأمويين ، وكسب الموقف بأن أصبح خليفة للمسلمين ، ولكنّ هذا النجاح جرّه إلى تناقض سياسي واضح ، لأنّه لم يملك في السقيفة من رصيد إلّا أن يجعلوا حجّتهم مبنيّة على أساس القرابة من رسول اللّه ( صلّى اللّه عليه وآله) ، ومن ثمّ يقرّوا مذهب الوراثة للزعامة الدينية. غير أنّ وجود بني هاشم كطرف معارض بدّل الوضع السياسي ، واحتجّت المعارضة على أبي بكر وحزبه بنفس حجّتهم على باقي الأطراف ، وهي إذا كانت قريش أولى برسول اللّه من سائر العرب فبنو هاشم أحقّ بالأمر من بقية قريش. وهذا ما أعلنه الإمام عليّ ( عليه السّلام) حين قال: إذا احتجّ المهاجرون بالقرب من رسول اللّه ( صلّى اللّه عليه وآله) كانت الحجّة لنا على المهاجرين بذلك قائمة ، فإن فلجت حجّتهم كانت لنا دونهم ، وإلّا فالأنصار على دعوتهم. وأوضحه العباس في حديث له مع أبي بكر إذ قال له: وأمّا قولك نحن شجرة رسول اللّه ( صلّى اللّه عليه وآله) فإنكم جيرانها ونحن أغصانها [1]. فالإمام عليّ ( عليه السّلام) كان مصدر رعب ورهب في نفوس الفائزين في لعبة السقيفة وسدّا منيعا إزاء رغباتهم وطموحاتهم ، وكان بإمكانه أن يستغلّ النفعيّين - وما أكثرهم!
خلاصة القول: إن الصلوات والتسليمات تربطنا بسيدنا رسول الله صلى الله عليه وسلم، وتساعدنا في التعبير عن محبتنا له، ونيل حبه، ونيل شفاعته صلى الله عليه وسلم.. فضلًا عن ذلك فهي عامل فعَّال في اتباع السنّة وتطبيقها. [1] البيهقي: شعب الإيمان، 3/111. [2] سنن الترمذي، الدعوات، 101. [3] صحيح البخاري، الأذان، 8. [4] سنن أبي داود، المناسك، 97. [5] مسند الإمام أحمد، 29/538.