محمد بن ابي عامر

الأحد 12 شوال 1437 - 17 يوليو 2016 3255 الأستاذ محمد إلهامي في مثل هذا اليوم (27 رمضان 393هـ) توفي رجل من أعظم رجال الإسلام في كل تاريخه، الرجل الذي كان عهده هو ذروة التاريخ الأندلسي وقمته، ذلك هو: الحاجب المنصور: محمد بن أبي عامر المعافري، رجل السياسة والحرب، ورجل العلم والحضارة، والفاتح الذي بلغت فتوحاته حيث لم يصل أحد قبله من الفاتحين، والبطل الذي استمرت هيبته بعد موته في قبره تثير رعدة أعدائه! مات وهو عائد من الجهاد، عند مدينة سالم، وكانت عادته أنه إذا عاد من معركة نفض تراب ثيابه، ثم جعله في قارورة، لكي تدفن معه فتشهد له بالجهاد في قبره وعند ربه، ولما دُفِن كتبوا على قبره بيتان من الشعر فيهما خلاصة حياته: آثاره تُنبيك عن أخباره.. حتى كأنك بالعِيان تراه تالله لا يأتي الزمان بمثله.. أبدا، ولا يحمي الثغور سواه ولعل الشاعر الذي أنشد البيتين كان ذا نظر سياسي ثاقب، فما هي إلا سنوات سبع بعد موت المنصور بن أبي عامر إلا وبدأت الأندلس رحلة انحدارها وهبوطها من القمة، ولم يتكرر المنصور منذ ذلك الوقت وحتى هذه اللحظة، ولستُ أعرف شبيها للمنصور في مواهبه في كل التاريخ الإسلامي من بعد عصر الأمويين!

  1. محمد بن ابي عامر العامري
  2. محمد بن ابي عامر وصبح
  3. محمد بن ابي عامر المنصور
  4. محمد بن ابي عامر

محمد بن ابي عامر العامري

ولما رجع من غزاته الثالثة ظافرًا، رفعه الخليفة إلى الوزارة، وجعل راتبه ثمانين دينارًا، وهو راتب الحجابة، ثم شارك أبا جعفر الحاجب، ثم استبد بالحجابة عام سبعة وستين وثلاثمائة، فقد بلغ أرفع مناصب الدولة. ٣ سيطر ابن أبي عامر سبعة وعشرين عامًا على الأندلس كلها، فصرَّف أمورها في الحرب والسلم كما يشاء، ولم تجتمع أمور الأندلس في يد واحدة قادرة إلا في يد عبد الرحمن الناصر، ويد المنصور بن أبي عامر، فأما الناصر فقد ورث ملكًا ثبته رأيه وعزمه، ومضاؤه وإقدامه، وأما ابن أبي عامر فقد رفعه إلى السلطان نفسٌ طماحة، وعزيمة ماضية، وخلق مرير، ولم تكن هيبته في نفس أعداء الأندلس دون هيبته في الأندلس، فقد أولع بالغزو، وانتدب للجهاد، فغزا خمسين غزوة في شمال الأندلس لم تنكس له راية، ولا بعدت عليه غاية، حتى بلغ شنت ياقوب في أقصى الجزيرة إلى الشمال والغرب، وما طمع أحد من المسلمين قبله أن تنال همته هذا المكان القصي. لقد صدق صاحب البيان حين قال: ثم انفرد بنفسه، وصار ينادي صروف الدهر: هل من مبارز؟ فلما لم يجده حمل الدهر على حكمه، فانقاد له وساعَده، فاستقام أمره منفردًا بمملكة لا سلف له فيها. ومن أوضح الدلائل على سعده أنه لم ينكب قط في حرب شهدها، وما توجهت قط عليه هزيمة، وما انصرف عن موطن إلا قاهرًا غالبًا، على كثرة ما زاول من الحروب، ومارس من الأعداء، وواجه من الأمم.

محمد بن ابي عامر وصبح

المنصور بن أبي عامر: الميكيافيلي الذي صعد من الحضيض إلى قمة السلطة بقلم: محمد يسري* — آثــاره تنبيـك عـن أخـباره …. حـتى كأنـك بالعـيـان تــراه تالله لا يأتي الزمان بمثله …. أبدًا ولا يحمي الثغور سواه على قبره في مدينة سالم بالثغر الأعلى بالأندلس كُتب البيتين السابقين ليخلدا ذكر ذلك الرجل الذي لم تعرف الأندلس مثله على امتداد تاريخها.

محمد بن ابي عامر المنصور

(اقرأ: لا تفرطوا في شرعية مرسي، نمط وسياسة هدم الشرعيات، كيف أنقذ مرسي إخوان مصر، هل تدرون قيمة مرسي بالنسبة للثورة؟). والمؤرخون رغم اتفاقهم على عظمة ابن أبي عامر وحسن أثره يختلفون في موقفهم من سياسته مع الخليفة الأموي، وهذا يعطيك معنى الشرعية كقوة معنوية في الصراع السياسي! ومن المثير للانتباه أن الدولة العامرية انتهت وانهارت حين حاول ابنه الصغير "عبد الرحمن بن المنصور" أن يحمل الخليفة على التنازل له عن الخلافة، وهو الأمر الذي تردد فيه أبوه ثم أعرض عنه، فكانت تلك بداية الاضطرابات التي ذهبت بالدولة العامرية، وأدخلت الأندلس في عصرها البائس: عصر ملوك الطوائف! هذه ستة دروس في السياسة التقطناها من سيرة المنصور بن أبي عامر، نحسب أننا نحتاج إليها في مسيرتنا الثورية الحاضرة.. والله المستعان.

محمد بن ابي عامر

والواقع أنه كان يتميز بعدة صفات أساسية أتاحت له قيادة البلاد وزعامتها طيلة ربع قرن على الأقل، فقد كان ضليعا في العلوم الدينية والفقهية، ومحنكا في الشؤون الدنيوية والسياسية، وعلى الرغم من قوته وجبروته إلا أنه لم يقتل الخليفة الشرعي ولم يحل محله وإنما شكل سلطة موازية له، وهكذا ظلت الخلافة للأمويين وإن بشكل رسمي أو شكلي فقط، وأصبحت السلطة الفعلية في يد وزيرهم، المنصور. وقد حصل شيء مشابه لذلك في بغداد عندما استولى البويهيون على السلطة الفعلية وتركوا المناصب الشكلية والتشريفية للخليفة العباسي الذي لم يعد له من السلطة إلا الاسم. لكي يشرح المؤلف كيفية صعود محمد بن أبي عامر إلى سدة السلطة وما حصل في عهده من أحداث جسام فإنه يقسم كتابه إلى تسعة فصول مع مقدمة وخاتمة. الفصل الأول يتحدث عن بدايات محمد بن أبي عامر، أي عن ولادته، وطفولته، وتعليمه، وارتقائه في سلم الوظائف حتى وصل إلى مرتبة الحاجب: أي الوزير بحسب لغة ذلك الزمان. كما ويتحدث المؤلف في الفصل الأول عن إرسال الخليفة الأموي له إلى المغرب الأقصى من أجل الدعاية له في صفوف القبائل البربرية وتجنيد المجاهدين هناك، وقد نجح في مهمته المغربية أفضل نجاح على ما يبدو.

في الأندلس قصصٌ كثيرة، للنجاح والصعود السياسي والمالي وغيرهما، وأيضاً قصص وحكايات كثيرة عن سقوط الأندلس نفسها، لكنّ إحدى أكثر القصص عبرةً وجمالاً قصة المنصور بن أبي عامر، مؤسس الدولة العامرية، الذي كانت دولة المسلمين في الأندلس في عهده في أفضل مراحلها ازدهاراً وتقدماً، لكنّه تسبّب أيضاً -بتفرده بالسلطة- في سقوط الدولة، ممهداً -دون أن يعرف- لسقوط الأندلس بعدها. البداية من ريف الأندلس كان محمّد بن أبي عامر رجلاً فقيراً في الجزيرة الخضراء بريف الأندلس، وفد إلى قرطبة، حاضرة الخلافة الإسلامية في الأندلس، حاملاً معه القليل من المال والكثير من الأحلام والطموح الذي إمّا أن يتحقِّق وإما أن يوصل صاحبه إلى الموت. كانت دولة الأمويين في الأندلس قد نضجت وأصبحت قويّة مهابةً من الممالك الإسلامية والمسيحية على السواء، ذلك أنّ عبدالرحمن الناصر قد استطاع بعد إعلانه الخلافة الأموية في الأندلس عام 316 هـ، وبعدما أصبح أول خليفة للأندلس، أن يحافظ على الدولة كاملةً دون أن ينقص منها دويلةً أو إمارةً واحدة. حكم عبدالرحمن الناصر 50 عاماً استطاع خلالها أن يوطّد حكم الأمويين في الأندلس وأن يضمّ كل مناطق التمردات التي خرجت على جدّه "عبدالله" ويخضعها لسيطرته، اعتبر المؤرخون عبدالرحمن الناصر أحد أعظم الخلفاء في الأندلس، بما استطاع تحقيقه لدولته.