قالوا يا أبانا مالك لا تأمنا على يوسف

قالوا يا أبانا إنا ذهبنا نستبق وتركنا يوسف عند متاعنا فأكله الذئب وما أنت بمؤمن لنا ولو كنا صادقين". تأمل قولهم "فأكله الذئب" والذئب لا يأكل، إنما يفترس، ولكنهم عبروا عن الافتراس بالأكل حتى لا يطالبهم أبوهم بأشلاء أخيهم فينكشف أمرهم، وجاء قولهم "وما أنت بمؤمن لنا ولو كنا صادقين"، ليؤكدوا على تيقنهم من عدم تصديق أبيهم لهم، لذا فالخبر مستعمل في لازم الفائدة، لأن المخاطب عالم بمضمون الخبر. وكان من الممكن أن يقولوا: لست بمؤمن لنا، ولكنهم أتوا بضمير المخاطب لتأكيد اعتقادهم. كذب مفضوح وجملة "وجاؤوا على قميصه بدم كذب" في موضع الحال، ووصف الدم بالمصدر (الكذب) للمبالغة، وكأن الدم عين الكذب، أي دم هو كذب في ذاته، لأن الدم ليس دم يوسف، وقد انقلب السحر على الساحر، فما اتخذوه دليلاً على براءتهم كان دليل إدانتهم، إذ ليس من المعقول أن يمزق جسد يوسف ويؤكل ولا يمزق قميصه! لذا أبطل يعقوب عليه السلام دعواهم، وصرح لهم بكذبهم "قال بل سولت لكم أنفسكم أمراً فصبر جميل والله المستعان على ما تصفون" فحرف الاضراب (بل) أبطل دعواهم، وقذف بها في وجوههم في سرعة خاطفة، وهذا يدل على تيقن يعقوب عليه السلام من كذبهم، ورفضه لادعائهم.

  1. يوسف الآية ١١Yusuf:11 | 12:11 - Quran O
  2. وقفة مع قوله تعالى: لا تأمنا

يوسف الآية ١١Yusuf:11 | 12:11 - Quran O

الْقَوْل فِي تَأْوِيل قَوْله تَعَالَى: { قَالُوا يَا أَبَانَا مَا لَك لَا تَأْمَنَّا عَلَى يُوسُف وَإِنَّا لَهُ لَنَاصِحُونَ} يَقُول تَعَالَى ذِكْره: قَالَ إِخْوَة يُوسُف إِذْ تَآمَرُوا بَيْنهمْ, وَأَجْمَعُوا عَلَى الْفُرْقَة بَيْنه وَبَيْن وَالِده يَعْقُوب لِوَالِدِهِمْ يَعْقُوب: { يَا أَبَانَا مَا لَك لَا تَأْمَنَّا عَلَى يُوسُف} فَتَتْرُكهُ مَعَنَا إِذَا نَحْنُ خَرَجْنَا خَارِج الْمَدِينَة إِلَى الصَّحْرَاء, { وَإِنَّا لَهُ لَنَاصِحُونَ} نَحُوطهُ وَنَكْلَؤُهُ. ' تفسير القرطبي قوله تعالى { قالوا يا أبانا ما لك لا تأمننا على يوسف} قيل للحسن: أيحسِد المؤمن؟ قال: ما أنساك ببني يعقوب. ولهذا قيل: الأب جلاب والأخ سلاب؛ فعند ذلك أجمعوا على التفريق بينه وبين ولده بضرب من الاحتيال. وقالوا ليعقوب { يا أبانا مالك لا تأمنا على يوسف} وقيل: لما تفاوضوا وافترقوا على رأي المتكلم الثاني عادوا إلى يعقوب عليه السلام وقالوا هذا القول. وفيه دليل على أنهم سألوه قبل ذلك أن يخرج معهم يوسف فأبي على ما يأتي. قرأ يزيد بن القعقاع وعمرو بن عبيد والزهري { لا تأمنا} بالإدغام، وبغير إشمام وهو القياس؛ لأن سبيل ما يدغم أن يكون ساكنا.

وقفة مع قوله تعالى: لا تأمنا

&( نظرات بلاغية في آيات قرآنية... يوسف عليه السلام وحسد إخوته)& قال تعالى: "لقد كان في يوسف واخوته آيات للسائلين. إذ قالوا ليوسف وأخوه أحب إلى أبينا منا ونحن عصبة إن أبانا لفي ضلال مبين. اقتلوا يوسف او اطرحوه أرضاً يخل لكم وجه أبيكم وتكونوا من بعده قوماً صالحين. قال قائل منهم لا تقتلوا يوسف وألقوه في غيابة الجب يلتقطه بعض السيارة إن كنتم فاعلين. قالوا يا أبانا مالك لا تأمنا على يوسف وإنا له لناصحون. أرسله معنا غداً يرتع ويلعب وإنا له لحافظون. قال إني ليحزنني أن تذهبوا به وأخاف أن يأكله الذئب وأنتم عنه غافلون. قالوا لئن أكله الذئب ونحن عصبة إنا إذاً لخاسرون. فلما ذهبوا به وأجمعوا أن يجعلوه في غيابة الجب وأوحينا إليه لتنبئنهم بأمرهم هذا وهم لا يشعرون. وجاؤوا أباهم عشاء يبكون. قالوا يا أبانا إنا ذهبنا نستبق وتركنا يوسف عند متاعنا فأكله الذئب وما أنت بمؤمن لنا ولو كنا صادقين. وجاؤوا على قميصه بدم كذب قال بل سولت لكم أنفسكم أمراً فصبر جميل والله المستعان على ما تصفون" (يوسف 7 18). كان يعقوب عليه السلام يؤثر يوسف لصغر سنه ولما شعر به من أن له مكانة عند ربه تفوق مكانة اخوته، لذا كان يوسف أحب اخوته الى قلب أبيه فكان ذلك مدعاة لحقدهم عليه، وتآمرهم لقتله او إبعاده بعد أن أكل الحسد قلوبهم، فكان تخطيطهم الماكر، وتدبيرهم السيىء، فتعالوا بنا لنشاهد تلك المكيدة وهذا التدبير في البيان القرآني، لنرى كيف عبرت لغة القرآن الكريم عن الحلقة الأولى من محن يوسف عليه السلام.

وقفة مع قوله تعالى: (لَا تَأْمَنا) أَسَرَ إعجازُ القُرآن الكَريم أهلَ الجاهلية بجمال بيانِه وجلالِ معانيه، وخاصةً من أَلم منهم بفنون الفصاحة والبيان، وإن كانوا من ذوي الباطل والطغيان، ولربما وقف بعضُهم مشدوهًا مذهولًا أمام البيانِ الساطع والبرهان القاطع للآياتِ الكريمات، وقد ثَبَت إعجازُ الخلْقِ من الجن والإنْس أجمعين - الأولين والآخرين، من لَدُن محمدٍ صلى الله عليه وسلم إلى يوم الدينِ - أن يأتوا بمثلِ هذا القرآنِ: ﴿ قُلْ لَئِنِ اجْتَمَعَتِ الْإِنْسُ وَالْجِنُّ عَلَى أَنْ يَأْتُوا بِمِثْلِ هَذَا الْقُرْآنِ لَا يَأْتُونَ بِمِثْلِهِ وَلَوْ كَانَ بَعْضُهُمْ لِبَعْضٍ ظَهِيرًا ﴾ [الإسراء: 88]. وإعجازُ القرآنِ الكريمِ متجدد ومتعددُ الوجوه، وهو معجزٌ في قراءاته العشرِ الصحيحة المتواترة عن الرسول الكريم صلى الله عليه وسلم، بل إِخالُ أن في كل وجْهٍ من أوجهِ القراءةِ أو الأداءِ وجوها من وجوهِ الإعْجازِ. وسنتناولُ في هذا المقال بعضَ الظواهرِ التجويديةِ (نسبةً إلى علم التجويد) في كلمة (لَا تَأْمَنا) من الآية الكريمة: ﴿ قَالُوا يَا أَبَانَا مَا لَكَ لَا تَأْمَنَّا عَلَى يُوسُفَ وَإِنَّا لَهُ لَنَاصِحُونَ ﴾ [يوسف: 11]، وسنقتصر في دراستنا لها كما وردت على قراءة حفصٍ عن عاصم لذُيوعها.