معنى والعاديات ضبحا

فجملة "أثرن به نقعاً" تدعم من تحدث عن الخيل. ذلك أن النقع هو الغبار. وهو معقول أن تثير الخيل المغيرة الغبار بحوافرها. كما أن من المعقول أن "الموريات قدحاً" تتعلق بحوافر الخيل التي تقدح الشرر حين تضرب بالحجارة أيضاً. لكن حين نأتي إلى جملة "فوسطن به جمعاً"، فإن الميزان يميل إلى الإبل. ذلك أن المزدلفة تدعى "جمعاً" لأنها تجمع الناس في الحج. بالتالي، فالإبل تتوسط بركابها المزدلفة. وهذا أقوى من فكرة أن الخيل تتوسط بركابها جمع الأعداء. أما من جهتي، فلدي شك في وجود الخيل والجمال في الآيات أساساً. ويغمرني إحساس بأن الأمر يتعلق بنجوم أو بمجموعات نجمية وأن القرآن يقسم بها لقداستها. إسلام ويب - التفسير الكبير - سورة العاديات - قوله تعالى والعاديات ضبحا - الجزء رقم32. على طريقة القسم بالنجم في سورة النجم: "والنجم إذا هوى. ما ضل صاحبكم وما غوى" (النجم: 1-2). والنجم في الآية هو كوكبة الثريا ذات الأنجم السبع، بإجماع. كي أعطي براهين ما على إحساسي، الأسهل هو في نظري جملة: "فالمغيرات صبحاً". فهذه الجملة تتحدث، في ما يبدو، عن غوران النجوم أي عن سقوطها، الذي هو غيابها الفلكي. يقال في هذا السقوط: "غارت النجوم وغارَ القَمَرُ والعَيْنُ والماء تَغُوْرُ غُؤوْراً. وغارَتِ الشَّمْسُ غِيَاراً. وغوَّرَ النَّجْمُ أيضاً" (الصاحب بن عباد، المحيط في اللغة).

إسلام ويب - التفسير الكبير - سورة العاديات - قوله تعالى والعاديات ضبحا - الجزء رقم32

[ ص: 60] ( سورة العاديات) إحدى عشرة آية مكية بسم الله الرحمن الرحيم ( والعاديات ضبحا) قوله تعالى ( والعاديات ضبحا).

بسم الله الرحمن الرحيم والعاديات ضبحا

وقد ورد أن سبب نزول سورة العاديات هو أن رسول الله صلّ الله عليه وسلم كان قد أرسل خيلًا في سرية وقادهم المنذر بن عمرو الأنصاري إلى إحدى الأحياء من كنانة ؛ فتأخر خبر ذلك الخيل عن رسول الله صلّ الله عليه وسلم ؛ وبدأ المنافقون يخبرون الناس بأنهم قد قُتلوا جميعًا. أنزل الله سبحانه وتعالى سورة العاديات ليرد على أولئك المنافقين ؛ فأقسم في بداية السورة العاديات وهي تلك الخيل التي تعدو في سرعة لقتال أعداء الله تعالى من الكفار والمنافقين الذين تجبروا في الأرض ؛ وتكبروا على الله سبحانه وتعالى. قصة وَالْعَادِيَاتِ ضَبْحًا | قصص. ومعاني الكلمات التي وردت في السورة هي: العاديات هي الخيول التي تعدو في الغزوات ، كلمة ضَبْحًا تعني صوت أنفاس الخيول حينما تعدو وتجري ، معني فالموريات قدحًا هي تلك النار التي تخرج نتيجة احتكاك حوافر الخيل بالأرض ، والمراد من المغيرات صبحًا أي أن الخيل تهجم على العدو وقت الصباح ، وأثرن به نقعًا بمعنى ذلك الغبار الذي ينتج في الجو نتيجة عدو الخيول. والمراد من فوسطن به جمعًا أي توسطن فيه من أولئك الأعداء الذين تتم محاربتهم ، ثم جاء قوله تعالى إن الإنسان لربه لكنود وهو ما يقصد به الإنسان بوجه عام إلا من رحم الله تعالى ؛ في إشارة إلى طباعه الجاحدة الكافرة ، ثم أكد في قوله تعالى إنه على ذلك لشهيد أنه شاهد على ذلك الذي يصدر من طبائع الإنسان ، وإنه لحب الخير لشديد أي أن الإنسان يحب المال بشدة ويفعل كل ما بوسعه من أجل الحصول عليه.

قصة وَالْعَادِيَاتِ ضَبْحًا | قصص

إذ للنجوم طلوع وسقوط. وسقوطها هو انطفاؤها قبل الفجر وظهورها بالعشية. قال الشاعر في وصف قصر المتوكل: وإذا غارت الكواكب صبحاً فهو الكوكب الذي لا يغور أما طلوع الكواكب فهو ظهورها عند الفجر وقبل طلوع الشمس. بذا فالحديث يجري في ما يبدو عن سقوط نجوم محددة. أي أن "المغيرات" هنا تعني: النجوم التي غارت أي سقطت. وهو ما يعني الهويان: "والنجم إذا هوى". ونحن نعلم أن الأنواء، أي الأمطار، مرتبطة بسقوط النجوم لا بطلوعها عموماً. ولعل لهذا علاقة بما جاء في القواميس: "وغارَهُم الله بخير ومطَرٍ يَغِيرُهم غَيْراً وغِياراً ويَغُورهم: أَصابهم بمَطر وخِصْب، والاسم الغِيرة. وأَرض مَغِيرة، بفتح الميم، ومَغْيُورة أَي مَسْقِيَّة. يقال: اللهم غِرْنا بخير وعُرْنا بخير. وغارَ الغيثُ الأَرض يَغِيرها أَي سقاها. وغارَهُم الله بمطر أَي سقاهم، يَغِيرهم ويَغُورهم" (لسان العرب). إسلام ويب - التفسير الكبير - سورة العاديات - قوله تعالى والعاديات ضبحا - الجزء رقم18. وإذا صح هذا، فعلينا في ما يبدو أن نفهم ما يأتي بعد المغيرات على أن له علاقة ما بالمطر أيضاً: "فأثرن به نقعاً. فوسطن به جمعاً». والحق أن هناك ما يؤيد هذا. فالنقع هو محبس الماء ومجتمعه: "يقال: استنقَعَ الماءُ إِذا اجتمع في نِهْيٍ أَو غيره، وكذلك نَقَعَ يَنْقَعُ نُقُوعاً... والمَنْقَعُ، بالفتح: المَوْضِعُ يَسْتَنْقِعُ فيه الماءُ، والجمع مَناقِعُ" (لسان العرب).

إسلام ويب - التفسير الكبير - سورة العاديات - قوله تعالى والعاديات ضبحا - الجزء رقم18

فظهورها في أواخر حزيران بعد غياب هو إعلان بدء الصيف، بل إعلان بدء القيظ. والشعرى هذه مرتبطة بالكلاب بكل تأكيد. فهي (نجمة الكلب) عند اليونانيين. وهي عند المصريين مرتبطة بالكلب أنوبيس، الذي هو ابن إيزيس. أما عند العرب، فالشعرى اليمانية هي مركز كوكبة كلب الجبار أي الكلب الأكبر. والجبار هو برج الجوزاء: الجبار: اسم للجوزاء والشعرى العبور تلو الجوزاء ويسمى: كلب الجبار أيضاً (المرزوقي، الأمكنة والأزمنة). يضيف الميداني: "الشعرى العبور وهي اليمانية... ويسمونها كلب الجبار. والجبار اسم للجوزاء، جعلوا الشعرى ككلب لها يتبع صاحبه" (الميداني، مجمع الأمثال). أما كوكبة أختها الشعرى الغميصاء فتدعى الكلب الأصغر، بذا فالشعرى في الواقع كلبة ومرتبطة بالكلاب. كما أن كَلَب الكلاب، أي جنونها، مرتبط بظهور الشعرى العبور. بناء عليه، ليس من الصعب تصوّر أن نجوم كلب الجبار- الجوزاء تضبح لأنها تتمثل بكلاب عادية ضابحة. وبهذا تكون "المغيرات" نجوم المطر و"العاديات" نجوم انقطاع المطر. الموريات قدحاً نأتي الآن إلى جملة "فالموريات قدحاً" التي تتحدث عن القدح والنيران. ونحن نعلم أن الصيف، أي الحر، يبدأ مع طلوع الشعرى. بل إن طلوعها إيذان بالقيظ، أي بشدة الحر: "لأن الشعرى تطلع بالغداة في معمعان الحر" (المرزوقي، الأزمنة والأمكنة).

حدثنا بشر, قال: ثنا يزيد, قال: ثنا سعيد, عن قتادة, قوله: ( وَالْعَادِيَاتِ ضَبْحًا) قال: هي الخيل, عدت حتى ضبحت. حدثنا ابن عبد الأعلى, قال: ثنا ابن ثور, عن معمر, عن قتادة, في قوله ( وَالْعَادِيَاتِ ضَبْحًا) قال: هي الخيل تعدو حتى تضبح. حدثنا ابن حميد, قال: ثنا مهران, عن سفيان, عن سعيد, عن قتادة مثل حديث بشر, عن يزيد؛ حدثنا أبو كُرَيب, قال: ثنا وكيع, قال: ثنا سعيد, قال: سمعت سالما يقرأ: ( وَالْعَادِيَاتِ ضَبْحًا) قال: هي الخيل عدت ضبحا. قال: ثنا وكيع, عن واصل, عن عطاء ( وَالْعَادِيَاتِ ضَبْحًا) قال: الخيل. قال: ثنا وكيع, عن سفيان بن عيينة، عن عمرو, عن عطاء, عن ابن عباس, قال: ما ضبحت دابة قط إلا كلب أو فرس. حُدثت عن الحسين, قال: سمعت أبا معاذ يقول: أخبرنا عبيد, قال: سمعت الضحاك يقول في قوله: ( وَالْعَادِيَاتِ ضَبْحًا) قال: هي الخيل. حدثني سعيد بن الربيع الرازي. قال: ثنا سفيان بن عيينة, عن عَمْرو, عن عطاء, عن ابن عباس, قال: هي الخيل. وقال آخرون: هي الإبل. *ذكر من قال ذلك: حدثني أبو السائب. قال: ثنا أبو معاوية, عن الأعمش, عن إبراهيم, عن عبد الله ( وَالْعَادِيَاتِ ضَبْحًا) قال: هي الإبل. حدثنا أبو كُرَيب, قال: ثنا وكيع, عن الأعمش, عن إبراهيم, عن عبد الله, مثله.