تفسير سورة يس الآية 69 تفسير السعدي - القران للجميع

ولهذا قال عزَّ وجلَّ‏:‏ { أَفَلَا يَعْقِلُونَ ‏} ‏‏؟‏ أي يتفكرون بعقولهم في ابتداء خلقهم، ثم صيرورتهم إلى سن الشيبة، ثم إلى الشيخوخة، ليعلموا أنهم خلقوا لدار أخرى، لا زوال لها ولا انتقال منها، ولا محيد عنها وهي الدار الآخرة، وقوله تبارك وتعالى‏:‏ ‏ {‏ وَمَا عَلَّمْنَاهُ الشِّعْرَ وَمَا يَنْبَغِي لَهُ ‏} ، يقول عزَّ وجلَّ مخبراً عن نبيّه محمد صلى الله عليه وسلم‏:‏ أنه ما علمه الشعر { وَمَا يَنْبَغِي لَهُ ‏} ‏ أي ما هو في طبعه فلا يحسنه ولا يحبه ولا تقتضيه جبلته، ولهذا ورد أنه صلى الله عليه وسلم كان لا يحفظ بيتاً على وزن منتظم، بل إن أنشده زحفه أو لم يتمه. قال الشعبي‏:‏ ما ولد عبد المطلب ذكراً ولا أنثى إلا يقول الشعر، إلا رسول الله صلى الله عليه وسلم ذكره ابن عساكر عن الشعبي ‏. ‏ وعن الحسن البصري قال‏:‏ إن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان يتمثل بهذا البيت‏:‏ كفى بالإسلام والشيب للمرء ناهياً ، فقال أبو بكر رضي الله عنه‏:‏ يا رسول الله، كفى الشيب والإسلام للمرء ناهياً قال أبو بكر أو عمر رضي الله عنهما‏:‏ أشهد أنك رسول الله، يقول تعالى‏:‏ {‏ وَمَا عَلَّمْنَاهُ الشِّعْرَ وَمَا يَنْبَغِي لَهُ ‏} ‏ ‏[ ‏ذكره ابن أبي حاتم عن الحسن البصري‏].

وَمَا عَلَّمْنَاهُ الشِّعْرَ وَمَا يَنْبَغِي لَهُ

وقال أبو زُرْعة الرازي: حُدِّثت عن إسماعيل بن مجالد، عن أبيه، عن الشعبي أنه قال: ما وَلَد عبد المطلب ذكرًا ولا أنثى إلا يقول الشِّعر، إلا رسول الله صلى الله عليه وسلم. ذكره ابن عساكر في ترجمة "عتبة بن أبي لهب".

3- قال أبو إسحاق الزجاج: معنى: ﴿ وما علَّمناه الشِّعْرَ ﴾؛ أي: ما جعلناه شاعرًا، وهذا لا يمنع أن ينشد شيئًا من الشعر، قال النحاس: وهذا من أحسن ما قيل في هذا، وقد قيل: إنما أخبَر الله عز وجل أنه ما علَّمه الله الشعر، ولم يُخبر أنه لا ينشد شعرًا، وهذا ظاهر الكلام، وقيل: فيه قول بيِّنٌ، زعم صاحبه أنه إجماع من أهل اللغة، وذلك أنهم قالوا: كل من قال قولًا موزونًا لا يقصد به إلى شعر، فليس بشعرٍ، وإنما وافق الشعر، وهذا قول بيِّن، قالوا: وإنما الذي نفاه الله عن نبيه عليه السلام، فهو العلم بالشعر وأصنافه، وأعاريضه وقوافيه والاتصاف بقوله، ولم يكن موصوفًا بذلك بالاتفاق. 4- ونفى كون القرآن شعرًا، ألا ترى أن قريشًا تراوضت فيما يقولون للعرب فيه إذا قدموا عليهم الموسم، فقال بعضهم: نقول: إنه شاعر، فقال أهل الفِطنة منهم: والله لتكذبنَّكم العرب، فإنهم يعرفون أصناف الشعر، فوالله ما يشبه شيئًا منها، وما قوله بشعر. وقال أنيس أخو أبي ذر: لقد وضعت قوله على أقراء الشعر، فلم يلتئم أنه شعر؛ أخرجه مسلم، وكان أنيس من أشعر العرب، وكذلك عتبة بن أبي ربيعة لما كلمه: والله ما هو بشعر ولا كهانة ولا سحر، وكذلك قال غيرهما من فصحاء العرب العرباء واللسن البلغاء، ثم إن ما يجري على اللسان من موزون الكلام لا يعد شعرًا.