تظل حياة الأديبة اللبنانية مي زيادة مثيرة للجدل، وذلك بسبب الأزمة النفسية القاسية التي عاشتها قبيل رحيلها، فقد عانت في الأيام الأخيرة من فقد الشاعر المقرب إليها جبران خليل جبران، وأيضا وفاة والدتها، وحاول الروائي الجزائري كشف تلك المحنة في آخر أعماله الروائية التي تحمل "ليالي إيزيس كوبيا" مفندا آراء من يتهمون مي بالجنون. اقوال جبران خليل جبران | مجلة رواد الأعمال. زيادة، والتي تحل اليوم الأربعاء ذكرى وفاتها كانت قد ولدت في 11 فبراير 1886، ورحلت في 17 أكتوبر 1942. وصلت إلى مصر مع عائلتها، كانت منفتحة على الثقافات، قارئة وأديبة راقية، متحررة جمعت النخبة الثقافية والأدبية حولها في مصر، وكانت أشبه بمركز الدائرة لهم، لم يزر أحد من القامات الفكرية «مي زيادة»، إلا وتعلق بها، وكتب عن ذلك مفصحًا بالتأثير الخفي والقوي الذي تؤثره الشاعرة الجميلة عليهم. اشتهرت «مي»، بصالونها الأدبي، الذي كانت تقيمه في منزلها الكائن في شارع عدلي، كل يوم ثلاثاء منذ عام 1913، قبل أن ينتقل عام 1921 إلى إحدى عمارات جريدة الأهرام ويستمر حتى الثلاثينيات من القرن الماضي. وتردّد إلى صالونها كبار الأدباء والشعراء والزعماء وصفوة المجتمع؛ أمثال العقاد، وطه حسين، وأحمد لطفي السيد، والشاعر إسماعيل صبري، والشيخ مصطفى عبدالرازق، والمفكّر شبلي شميل، وأمير الشعراء أحمد شوقي، وشاعر النيل حافظ إبراهيم، وخليل مطران، والأديب مصطفى صادق الرافعي، والكاتب أنطوان الجميل.
لقد كانت الآنسة مي بأدبها وبثقافتها، وبجمالها الروحي والجسدي رمزا للمرأة العربية الطامحة إلى عصر غير عصر الحريم، وإلى شعر لايكتفي منها بوصف النهود والأرداف والخدود، بل يشيد بعبقريتها وإنسانيتها وعطائها وإنتاجها العلمي والأدبي.
كان مجلس مي يعقد يوم الثلاثاء وكان يحضره عمالقة الأدب ورواد السياسة ومشاهير العلماء وأعيان البلد كمحمد عبده، ومصطفى عبد الرازق، وأحمد لطفي السيد، وقاسم أمين، وطه حسين، ومصطفى صادق الرافعي، وخليل مطران وإسماعيل صبري وعباس محمود العقاد وغيرهم. وهكذا اجتمع أعلام الدين وأقطاب السياسة ورواد النثر وفرسان الشعر في صالون الآنسة مي، وهذا تقدير للمرأة العربية التي استطاعت جمع الرجال من حولها يتناقشون فيما بينهم نقاشا حرا في السياسة والأدب والدين والثقافة العالمية، وكان جمال مي الروحي والجسدي وكلامها الحلو ونبرتها الهادئة، وثقافتها الكبيرة، كان كل ذلك يضفي على المجلس بهاء ورقيا وإحساسا راقيا بالجمال في أرقى تجلياته، ولم يكن أحد يغيب عن المجلس إلا لظرف قاهر، حتى غيب الموت صاحبة الصالون، تاركة وهج الذكرى وبريق الماضي وأصالة الفكرة وروعة المغامرة والتحدي والخروج عن الرتابة المملة والمألوف المقرف. ولصالون مي في شعرنا الحديث حضور، فقد ذكره الشعراء في أشعارهم والكتاب في مقالاتهم، وكان الشاعر إسماعيل صبري يقول عن صالون مي يوم الثلاثاء: روحي على بعض دور الحي حائمة كظامئ الطير تواقا إلى المـــــــاء إن لم أمتــــــع بمي نــاظـــــري غدا لاكــان صبحك يا يوم الثلاثاء!