القرآن الكريم - تفسير ابن كثير - تفسير سورة القصص - الآية 84

مَن جَاءَ بِالْحَسَنَةِ فَلَهُ خَيْرٌ مِّنْهَا وَهُم مِّن فَزَعٍ يَوْمَئِذٍ آمِنُونَ (89) ثم بين تعالى حال السعداء والأشقياء يومئذ فقال: ( من جاء بالحسنة فله خير منها) - قال قتادة: بالإخلاص. وقال زين العابدين: هي لا إله إلا الله - وقد بين في المكان الآخر أن له عشر أمثالها ( وهم من فزع يومئذ آمنون) ، كما قال في الآية الأخرى: ( لا يحزنهم الفزع الأكبر) [ الأنبياء: 103] ، وقال: ( أفمن يلقى في النار خير أم من يأتي آمنا يوم القيامة) [ فصلت: 40] ، وقال: ( وهم في الغرفات آمنون) [ سبأ: 37].

من جاء بالحسنة فله خير منها رخص حفر الآبار

القول في تأويل قوله تعالى: ﴿مَنْ جَاءَ بِالْحَسَنَةِ فَلَهُ خَيْرٌ مِنْهَا وَمَنْ جَاءَ بِالسَّيِّئَةِ فَلا يُجْزَى الَّذِينَ عَمِلُوا السَّيِّئَاتِ إِلا مَا كَانُوا يَعْمَلُونَ (٨٤) ﴾ يقول تعالى ذكره: من جاء الله يوم القيامة بإخلاص التوحيد، فله خير، وذلك الخير هو الجنة والنعيم الدائم، ومن جاء بالسيئة، وهى الشرك بالله. كما:- ⁕ حدثنا بشر، قال: ثنا يزيد قال ثنا سعيد، عن قَتادة، قوله: ﴿مَنْ جَاءَ بِالْحَسَنَةِ فَلَهُ خَيْرٌ مِنْهَا﴾ أي: له منها حظّ خير، والحسنة: الإخلاص، والسيئة: الشرك. وقد بيَّنا ذلك باختلاف المختلفين، ودللنا على الصواب من القول فيه. * * * وقوله: ﴿فَلا يُجْزَى الَّذِينَ عَمِلُوا السَّيِّئَاتِ﴾ يقول: فلا يثاب الذين عملوا السيئات على أعمالهم السيئة ﴿إِلا مَا كَانُوا يَعْمَلُونَ﴾ يقول: إلا جزاء ما كانوا يعملون.

لذلك يقولون في تعريف الحسنة: هي ما حسَّنه الشرع، لا ما حسَّنْتها أنت، فنحن مثلاً نستسيغ بعض الأطعمة، ونجد فيها متعة ولذة، مع أنها مُضرة، في حين نأنف مثلاً من أكل الطعام المسلوق، مع أنه أفيد وأنفع؛ لذلك يقول تعالى في صفة الطعام: { فَكُلُوهُ هَنِيئاً مَّرِيئاً... } [النساء: 4] لأن الطعام قد يكون هنيئاً تجد له متعة، لكنه غير مريء ويُسبِّب لك المتاعب بعد ذلك. الحق سبحانه يقول هنا: { مَن جَآءَ بِٱلْحَسَنَةِ فَلَهُ خَيْرٌ مِّنْهَا... } [القصص: 84] فالحسنة خير، لكن، الثواب عليها خيرٌ منها أي: أخير؛ لأنه عطاء دائم باقٍ لا ينقطع، أو خير يأتيك بسببها. كما يقول أصحاب الألغاز واللعب بالكلمات: محمد خير من ربه، والمعنى: خير يصلنا من الله، ولا داعي لمثل هذه الألغاز طالما تحتمل معنى غير مقبول. ثم يقول سبحانه: { وَمَن جَآءَ بِٱلسَّيِّئَةِ... } [القصص: 84] لم يقُل الحق سبحانه: فله أشر منها، قياساً على الحسنة فنضاعف السيئة كما ضاعفنا الحسنة، وهذه المسألة مظهر من مظاهر رحمة الله بخَلْقه، هذه الرحمة التي تتعدَّى حتى إلى العُصَاة من خَلْقه. لذلك قال { فَلاَ يُجْزَى ٱلَّذِينَ عَمِلُواْ ٱلسَّيِّئَاتِ إِلاَّ مَا كَانُواْ يَعْمَلُونَ} [القصص: 84] أي: على قَدْرها دون زيادة.