وكيف تصبر على مالم تحط به خبرا

قال تعالى: { وكيف تصبر على ما لم تحط به خبرا * قال ستجدني إن شاء الله صابرا ولا أعصي لك أمرا} الكهف: 68 -69 قصّ الله تعالى علينا في كتابه العزيز نبأ لقاء موسى بالعبد الصالح الخضر عليهما السلام ، وما جرى بينهما من إخبار الخضر لموسى بعدم صبره على ما سيراه من أعماله ، وتعهد موسى بالسمع والطاعة وعدم العجلة حتى يكون الخضر هو الذي يخبره بكنه ما يراه وعواقبه ، كما تضمنت القصة عدم تمكن موسى عليه السلام من الصبر الذي التزم بمكابدته. وفي ثنايا هذه الواقعة عبر ودروس عديدة نجلوها في النقاط التالية: 1- أراد الله -تعالى- أن يُعلّم موسى وجوب تفويض ما لا يعلمه إليه ؛ فقد ورد في الصحيح أن رجلاً سأل موسى على ملأ من بني إسرائيل: هل تعلم أحداً أعلم منك ؟ قال: لا. فأوحى الله إليه: بل عبدنا خضر أعلم منك [1]. وفي هذا إرشاد لأولي النهي أن يقفوا الموقف المنهجي مما لا يعرفونه ؛ فنبي الله موسى كان رسولاً من أولي العزم ، وهو كليم الله ومبلغ رسالته ، ومع هذا بين الله له وجوب تفويض ما لا يعلمه إليه ؛ فهو لم يجتمع بكل البشر ، ولم يعرف مقادير ما خصَّ الله به من شاء من عباده. وفي هذا الزمان تشعبت العلوم ، وتفرغت حتى صار من العسير على الواحد منا أن يحيط بفرع من فروع المعرفة فضلاً أن يحيط بها جميعاً.

  1. سكون .. ♔ ~: وكيف تصبِرُ على مالم تُحِط به خُبرا .. ٢

سكون .. ♔ ~: وكيف تصبِرُ على مالم تُحِط به خُبرا .. ٢

وَكَيْفَ تَصْبِرُ عَلَىٰ مَا لَمْ تُحِطْ بِهِ خُبْرًا (68) ( وكيف تصبر على ما لم تحط به خبرا) فأنا أعرف أنك ستنكر علي ما أنت معذور فيه ، ولكن ما اطلعت على حكمته ومصلحته الباطنة التي اطلعت أنا عليها دونك.

وكيف تصبِرُ على مالم تُحِط به خُبرا.. ٢ أتعلمونَ لِمَ؟! لنعود لأول سؤال طرحته!.. هل يحتاج التعلم لصبر؟ أم أن الصبر هو ما يحتاج للعلم؟!.. هذان التساؤلان يقوداننا إلى قول الخضر حين خاطب موسى عليه السلام في أول لقاء لهما قائلًا: " إنك لن تستطيع معي صبرًا " لِمَ كان الخضر متيقنا من أن سيدنا موسى لن يقدر على الصبر؟ يأتي الجواب مباشرة في الآية التي تليها: " وكيف تصبر على مالم تُحط به خُبرًا " جواب الخضر يُجيب على هذا التساؤل بالفعل. فالعلم لحدٍّ ما يحتاج لصبر، لكن الصبر حتمًا يحتاج للعلم! حين نبدأ بتعلم شيءٍ جديد، فنحن لانملك أي خبرة عن هذا العلم، لا ندرك الحجم الفعلي لهذا العلم، المصاعب التي تنطوي بداخله والعقبات التي يحتملها. لذلك نبدأ طريق هذا العلم متسلحين بالصبر الذي اكتسبناه من خبرتنا السابقة في علوم أخرى. ونمضي خطوة بخطوة في سبيل تعلم المزيد من هذا العلم. إن الأمر أشبه بدخول غابة كثيفة نعلم أنها تحتوي على وحوش مفترسة قد تهجم علينا في أي لحظة. لا نعلم متى ولكن نؤمن بوجودها! نتسلح بكل الأسلحة التي اكتسبناها في طريقنا نحو هذه الغابة، لانعلم حقًا مدى فعالية تلك الأسلحة لكننا نحملها معًا وحين نُواجه تلك الوحوش قد نفلت من بعضها ونتصدى لها وقد نضعف أمام البعض الآخر.