الفائدة من هذا الكلام الذي ورد في الحديثين وغيرها من الأدلَّة، أنه على المسلم المُكلَّف البحث عن هذه الأسماء من الكتاب والسُّنَّة حتى يُدركها. فصل: الباب الثالث: في طريقة أهل السنة في أسماء الله وصفاته|نداء الإيمان. تسمية المخلوقين بأسماء الله سبحانه وتعالى يوجد بعض الأسماء التي لا يجوز لأحد أن يسمِّي بها أي شخصٍ آخر من المخلوقين، حيث إن هذه الأسماء خاصَّةٌ خصوصيَّة تامَّة بالله تعالى وحده، ومن هذه الأسماء (الله)، لا يجوز تسمية أحدٍ من المخلوقين بهذا الاسم لا على سبيل ترادف المعنى أو غيره، وكذلك اسم (الرَّحمن) لا يجوز أن يُسمَّى ولا يوصف به غير الله؛ لأن الألوهية والرَّحمة الواسعة الشَّاملة التي فيها وصفٌ لازمٌ للرحمة ولا تكون إلا لله تعالى. أما بالنِّسبة لبقيَّة الأسماء، فإن قُصِد بها ما يُقصدُ بأسماء الله من الدَّلالة على العَلَميَّةِ والوصفيَّة، فهي ممنوعة، وإن قُصِد بها مجرَّد العَلَميَّة فقط فهي ليست ممنوعة، ومثال ذلك الاسمين (الحكم) و(الحكيم) من أسماء الله، فلا بأس إن سمَّينا شخصاً (بالحكم) أو (بحكيم) ولم نقصد بذلك معنى الحكمة فيه، ودليل ذلك أن من بين الصَّحابة من كان اسمه حكيم والحكم ولم ينكر النَّبيُّ عليه الصلاة والسَّلام عليهما ذلك. لكن إن قصدنا بالتَّسمية هذا المعنى الذي اشتققنا منه هذا الاسم، فهذا لا يجوز؛ لأن هذا من خصائص أسماء الله الحسنى التي يُراد بها الاسم والوصف، وكذلك على سبيل المثال، إن سمَّينا رجلاً (بصالح) فهذا لا يعني أنه إنسانٌ صالح، أو اسم (سلمان) فهذا لا يعني أنه شخصٌ سليم لا عيوب به، لربما كان من أصحاب الأمراض وليس به شيئٌ سليم، ولكن سمَّيناه بهذا الاسم فقط كاسم علمٍ مجرَّدٍ من أية صفة.
[١٢] ويجدر في ختام بحث عن أسماء الله الحسنى الإشارة إلى أنّ المقصود من حديث الرسول الكريم -صلى الله عليه وسلم- "إنَّ لِلَّهِ تِسْعَةً وتِسْعِينَ اسْمًا، مِائَةً إلَّا واحِدًا، مَن أحْصاها دَخَلَ الجَنَّةَ" [٣] ليس معرفتها أو قراءتها أو حتى حفظها، بل المقصود هو التفكّر والتدبّر بها والتقرّب لله -عزّ وجلّ- ودعاءه بها، وحتى أنّ معرفتها وحدها لا يُدخل العبد إلى الجنّة وهو يرتكب المعاصي والذنوب، بل يجب عليه مع إحصاء أسماء الله الحسنى اجتناب الكبائر وأداء الفروض والواجبات، وبهذا يكون إحصاؤها وعدًا بالجنة ورفعًا للدرجات، والله-تعالى-أعلم. [١٣] المراجع [+] ↑ سورة الأعراف، آية: 180. ↑ "أهمية معرفة أسماء الله الحسنى وصفاته العلا" ، ، اطّلع عليه بتاريخ 06-06-2019. بتصرّف. ^ أ ب رواه البخاري، في صحيح البخاري ، عن أبو هريرة ، الصفحة أو الرقم: 7392، صحيح. كتب Allahs Most Beautiful Names and Attributes - مكتبة نور. ↑ رواه الألباني، في السلسلة الصحيحة ، عن عبدالله بن مسعود ، الصفحة أو الرقم: 199، صحيح. ↑ "أسماء الله تعالى غير محصورة في تسعة وتسعين اسماً" ، ، اطّلع عليه بتاريخ 06-06-2019. بتصرّف. ↑ سورة الحشر، آية: 22-24. ↑ " أسماء الله الحسنى في القرآن الكريم" ، ، اطّلع عليه بتاريخ 06-06-2019.
كما أن هناك العديد من الأسماء التي تتوارد على الألسنة ولكن لم تثبت صحتها ولا يوجد أي دليل عليها فلا يجوز تسمية الله تعالى أو مناداته بها طالما أنها لم تثبت في القرآن الكريم أو السنة النبوية وهي كالتالي: الخافض، المعز، المذل، الباعث، العدل، الجليل، المحصي، الرشيد، الصبور، المانع، الضار، المعطي، النافع، الوالي، الباقي، الواجد، الماجد، المقسط، المبدئ، المعيد، المميت. فالله عزوجل تفرد بأسمائه وهو أعلم بذاته سبحانه. [٦].
ومن آثار الإيمان بصفات الله تعالى -أيضا-: أن هناك تلازم وترابط وثيق بين هذه الصفات وبين ما تقتضيه من عبادات ظاهرة وباطنة؛ فإنَّ لكل صفة من صفات المولى -جلَّ وعلا- عبودية خاصة هي من موجبات ومقتضيات العلم بها والتحقق بمعرفتها، وهذا الأمر عام ويطَّرد في كل أنواع العبودية التي على القلب والجوارح. فمثلاً: حين يعلم العبد أن الرب -جلَّ جلاله- متفرد بالعطاء، والمنع، وبالضر والنفع، والرزق والخلق والإماتة والإحياء؛ فإن ذلك يثمر له: عبودية التوكل على ربه باطنًا، ولوازم التوكل وثمراته ظاهرًا.
وأما الدليل العقلي: فكيفية الشيء لا تدرك إلا بواحد من أمور ثلاثة لم تتحقق عندنا، فصفات الله عز وجل لم نشاهدها، ولم نشاهد لها نظيرا، ولم يأتنا خبر صادق عنها، لا من ربنا ولا من نبينا صلى الله عليه وسلم. وقولهم في هذا هو ما قال الإمام مالك رحمه الله وغيره من السلف عندما سُئلوا عن قوله تعالى: الرَّحْمَنُ عَلَى الْعَرْشِ اسْتَوَى [طـه: 5]. قالوا: الاستواء معلوم، والكيف مجهول، والإيمان به واجب، والسؤال عنه بدعة. وكذلك قال ربيعة شيخ مالك قبله: الاستواء معلوم، والكيف مجهول، ومن الله البيان، وعلى الرسول البلاغ، وعلينا الإيمان. وما دمت تعلم من نفسك الوسوسة فعليك أن تعرض عن التفكير في مثل هذه الأمور، وأن تفكر في آيات الله تعالى وأنعمه لتتبين بها عظمته وقدرته. فقد قال النبي صلى الله عليه وسلم: تفكروا في آلاء الله، ولا تفكروا في الله. أخرجه أبو الشيخ و الطبراني في الأوسط عن ابن عمر رضي الله عنهما، وحسنه الألباني. وفي رواية عند أبي نعيم في الحلية: تفكروا في خلق الله ولا تفكروا في الله. حسنه الألباني أيضاً. ومما يشهد لهذا أن فرعون لما سأل موسى عليه السلام قائلا: (وما رب العالمين) قال له موسى: (رب السماوات والأرض وما بينهما) ففرعون سأل عن ذات الله، وموسى أجابه بصفاته.